أتلعثم وتتعثر قدمي، لم يعد بيتنا يؤنسني، أشعر بِوَحشة وغربة، كنت أعتبر بيتنا كبيرا جدا، والآن ضاقت مساحته في عيني. حجرة والدي، صوته الذي يهز أرجاء المكان، كنبته التي يجلس عليها، قهوته، عصاه، أحاديثه التي تملؤنا دائما، سيارته وصوت الضجيج الممتع الذي يصدره في كل مرة يعود محملا بحاجات البيت وكيس الخبز الساخن. كل شيء يفتقده وأنا أفتقدك يا ابي.. أحن الى تلك الأيام الجميلة معك وحتى الأيام غير الجميلة اشتقت لكل شيء منك حتى عصبيتك.. اشتاقت لك صفوف المصلين.. وعتبات المسجد.. ورفاقك في الدرب.. وحتى مواقفك مع أمي وطرائفك وضحكك ومزاحك مع أحفادك.. وكل الأشياء الصغيرة والكبيرة اشتاقت لك.. ابي لطالما بكيت منك والآن أبكي عليك أبكي على أيامي بدونك.. ابي عد إليّ فلا طعم لأيامي بدونك... تعبك أتعبني ومرضك أحالني إلى طفل صغير يبكي خوفا من الأيام أن تفجعني بك.. انت قوتي يا ابي.. وشجاعتي.. تعلمت منك الكثير.. اليوم اراك ملقى على السرير الأبيض لا حول ولا قوة لي إلا الدعاء.. المرض الذي نهش جسدك بأنيابه هي نفس الأنياب التي نهشت صبري وقوتي وكسرتني فلا أملك رغم الصمت إلا الدموع. ماذا عساي أن أفعل وأنا أراقب عداد نبض القلب واسمع جهاز قياس الضغط ويدك الضعيفة ممتلئة بالأمصال والأنابيب التي تحاول ضخ الحياة الى أوردتك، ماذا عساي أن أفعل وأنا أراقب خراطيم الأكسجين تغلف أنفك في حين لا هواء اتنفسه.. إني أختنق.. فهل ينصفني القدر.. ويكتب معجزته.. وأراك بصحتك كما عودتني.. عد لي يا ابي أحتاجك.. ذهبت إليك أحمل أملا، ورقة صغيرة دوُِن بها اسمك.. ماذا.. هل كتبها القدر؟ هل أنت متأكد؟