وأنت معه تنسى كل آلامك، فالابتسامة لا تفارق وجهه، والسخرية التي لا تمس شعور أحد تزدان بها كلماته حتى وهو على فراش المرض.. مبدع تتقدمه شاعريته وإنسانيته كما يتقدمه حبه للقلم والكلمة، لم نره يوما ما يغتاب أحدا أو يحقد على أحد، مخلص لقصيدته التي شغلت العديد من الصحف والمجلات محليا وعربيا، ومخلص لمقالاته الثرية التي كنا نتابعها هنا بشغف، إنه الشاعر حسن السبع الذي رحل صباح أمس عن عالمنا، ولكنه لم يرحل، ولن يرحل من قلوبنا، فأعماله الأدبية تثري مكتباتنا في الشعر والرواية والمقالات.. «اليوم» التي انطلق منها الراحل بإبداعاته آلمها النبأ، ونقلت عن بعض أصدقاء وزملاء الراحل هذه الرؤى التي أملوها بالألم: تناغم نادر يقول الشاعر محمد الدميني: لا يمكن لأحد أن ينجو من سحر شخصية حسن السبع.. عرفه يوما أو عاش معه لسنين.. حسن السبع هو أحد رموز القصيدة الحديثة في المملكة، وهو من القلائل الذين تبدو في قصائدهم جمل ولوازم واستعارات مجلوبة من القديم في اجتهاد كبير لجعل العلاقة بتراثنا الشعري حية ودائمة. عرفته منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي في صحيفة «اليوم»، ولم يكن آنذاك حاضرا ببروز في مشهدنا الشعري، وأظن الدراسة والوظيفة قد أخذته بعيدا عن الأدب والكتابة، لكنه عاد ناشطا شعرا وكتابة ومشاركا في أمسيات الأدب العامة والخاصة، ليعمل في القسم الثقافي للصحيفة تاليا، وكم كانت مسارب «اليوم» الصحفية تعج بقصص ومواقف لا يتسع لها المقام هنا. يكاد حسن السبع يكون فريدا في المزاوجة بين القصيدة الرصينة وبين القصيدة الساخرة أو الهازلة، وخلق تناغما نادرا أحيانا بينهما، وقد أصدر مجموعات شعرية على مدى عمره الشعري مثلت كل الأغراض الشعرية التي أحبها وبرع فيها. هذا الشاعر الذي كان يملأ كل مكان يحتويه غبطة وأملا ومزاحا يغيب في ساعة حالكة، ونفقد معه قصيدته التي اقترب بها من كل حدس وضمير قارئ. وداعا حسن السبع.. وستبقى قصيدتك ومزاجك الساخر من آلام الزمن وتحولاته، لقد أطفأت قناديلك هذه المرة!. شاعرية لافتة وفي كلمته عن الراحل قال د.عبدالله الحيدري: في مستهل عام جديد كنا نتداول مع بعض الزملاء والأحبة التهاني مقدمين الدعوات والتفاؤل بمقدمه، غير أن خبرا كدر الخواطر وعكر الأمزجة، وهو خبر انتقال الشاعر حسن السبع إلى رحمة الله، مستسلمين لقضاء الله وقدره. وحين نكتب عن السبع، فإننا أمام أديب له حضوره في الشعر، وفي الكتابة بشكل عام، وفي التحرير الصحفي الثقافي، إضافة إلى عمله الإداري الرفيع في البريد. ويعد السبع أحد أعمدة القصيدة الحديثة، وله تجارب ناجحة ومتميزة، ودواوينه المطبوعة تدل على شاعرية لافتة وعمق في الطرح والرؤية. وشخصيته محبوبة لدى الجميع إذ عُرف بخفة الدم والمرح وحب النكتة وانعكس ذلك على أدبه إذ يمثل ديوانه «ركلات ترجيح» هذه الروح المرحة المحبة للفأل وللحياة. رحم الله الشاعر والكاتب حسن السبع وأسكنه فسيح جناته، وأرفع خالص التعازي والمواساة لأسرة الفقيد، وللوسط الثقافي في المملكة. أيقونة الصفاء ويضيف الدكتور الشاعر يوسف العارف: الى الشاعر «السبع» في عامه الأخروي الجديد، سلام عليك.. سلام عليك.. جئت أكتب عنك.. فتناثرت حروفي على مائدة الفقد والموت! وتتالت مآلات الحزن على ذاكرتي فتوجست خوفا من اليقين.. حسن السبع.. يا من كنت ايقونة الصفاء وروعة المستحيل وزهرة الجمال، تستوطن الفؤاد وتلهم الشوق معاني العطاء والبذل والإنسانية. حسن السبع.. كنت بيننا ذات مساء شاعري في نادي جدة الأدبي فتناغمت حروفك الشعرية مع ذائقتي النقدية فقلت عنك كل الكلام الجميل!! حسن السبع.. فقدك مع بدء عامنا الجديد نقص في مشهدنا الشعري ومشهدنا الثقافي، فرحمك الله.. وأسبغ على أهلك وذويك الصبر. الكلمة النبيلة من جانبه يقول الشاعر جاسم الصحيح: في البداية أرفع أحر التعازي الى الوطن، وأخص الأسرة الأدبية وأسرة السبع في رحيل الشاعر والأديب الكبير الأستاذ حسن السبع، تغمده الله تعالى بواسع رحمته ورضوانه. حسن السبع.. والاسم وحده نجم في سماء ثقافتنا الوطنية. تفتحت عيوننا على وهج إشعاعاته الإبداعية، حيث كان أحد النجوم التي هندست سماء الحداثة الشعرية في آفاق هذا الوطن. هو الشاعر الذي خفضت له اللغة جناح الحب من الرحمة فأصبحت شعرا على يديه. كما أنه العاشق الغارق في حب الناس والحياة إلى درجة الوجع. علاقتنا به هي ذاتها علاقتنا بالحب والقصيدة والكلمة النبيلة والأخوة الصادقة. قصائده عبارة عن قبلات مرسلة من شواطئ سيهات إلى أنحاء الوطن، حيث عرفه البحر ساعي بريد أمينا على رسائل الحب فاستأمنه هذه القبلات. سهرنا معه طويلا في ديوانه «زيتها وسهر القناديل» وتنزهنا كثيرا معه في ديوانه «حديقة الزمن الآتي» وأطلقنا كل ما نحمله من قهقهات في وجه الزمن القاسي ونحن نقرأ شعره الساخر في ديوانه «ركلات ترجيح». آه يا أبا نزار.. آن للضحكات التي أشعلتها على شفاهنا أن تطفئ فوانيسها وتعود إلى مخادعها في الصدور، كما آن لعرائش الذاكرة التي نبتت على أصداء صوتك أن تنهار في قبضة رياح الفقيد العاصفة.. ولا يبقى سوى الدعاء بالرحمة والغفران لك. الساخر العظيم ويقول الناقد عبدالله السفر: منذ الجلطة والقلب يهش النبأ المنتظر. أبو نزار لم يعد بيننا. حسن السبع يغادر ويتركنا. الفاجعة أدبية وشخصية. قامة كبيرة في الشعر والنثر. امتلك ناصية الكلمة قصيدة ومقالا. حسن السبع إنسان في غاية الرقة والدماثة وفي غاية اللطف. عرفته عن قرب خلال عملنا معا في أدبي الشرقية، ولم أعهده إلا والابتسامة على محياه، وتعليقاته الظريفة تحف الحديث. من الصعب أن أتصوره غائبا، يغيب وجهه بابتسامته الموغلة في القلب، تغيب كتاباته الساخرة الفريدة والمتجددة دوما. رحمك الله أبا نزار. تغيب وتبقى ضحكتك بيننا، يظل صوتك عامرا ما بقي الحرف. أنين القرنفلة ويقول الكاتب فؤاد نصر الله: رحل شاعر الابتسامة والصور الشعرية الكاريكاتورية المتهكمة، الشاعر الرقيق الذي رسم من صور الحياة مشاهد خالدة ما زالت ضربات ترجيحها تصدح في ردهات الثقافة وقاعات الشعر. إن التوجه الفكري للشاعر حسن السبع مؤسس على ركائز ومداميك صلبة، وهو ما يمكن أن نحسبه على تجربته الشعرية الطويلة، واجتهاده السردي الحديث، في مقالاته الثقافية الهادفة. كذلك فإن الروح الساخرة لدى الشاعر حسن السبع أمدته بثروة من الكتابات التي تشمل حسا كاريكاتوريا، تمكن من خلاله من فك شفرة القضايا التي ما زال أغلبها يقض مضجع الإنسانية كلها. إن مثل هذه الرؤية الإشراقية تتغلغل في قصائد الشاعر السبع حيث يمنحها حكمة مضاعفة، فنراه يحوم في فضاءات بعيدة ليضع يده على الحقائق الإنسانية الخالدة الحب، الحياة، الموت. وهكذا لم يعد الشاعر السبع ينصت لأنين القرنفلة، ويتحدث عن القطيعة، أو يستمر مصمما على فهم معادلات الكون في انكسارته وصبواته وطموحه وعذوبته وعذاباته، فقد رحل وأطلق العنان لأنين قرنفلته يتتبع بقايا صداه. يستحق صفحات ويضيف المهندس كامل المزعل -أحد الذين كانوا وراء فكرة تكريمه قبل أشهر-: من الصعب جدا أن تكتب كلمات تتحدث فيها عن فقد الشاعر والأديب الأستاذ حسن السبع «أبو نزار»، هذا الشاعر الذي ملك الكلمات وطوعها وشكلها حسبما يريد، بل أصعب الكلمات والأشعار عندما كتب حول الشعر الفكاهي أو الهزلي، حيث كان من أبرز من كتب في هذا المجال في الساحة السعودية بل والعربية، لذا فما عساني أقول في هذه العجالة، وعن ماذا أتحدث وأنقل من ذكريات جمعتني بهذا الراحل؟ إنها كثيرة ولا يتسع المجال لذكرها، فهو يستحق صفحات وصفحات، ولكن لا نقول إلا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ورحم الله الفقيد رحمة واسعة وأسكنه الفسيح من جناته وألهم أهله الصبر والسلوان ولا حول ولا قوة إلا بالله.