العودة إلى الدوام المدرسي يمثل العودة إلى الحياة الطبيعية، فبقدر ما يفرح المربون والمربيات بالإجازة الصيفية بطولها وعرضها، فإنهم يفرحون بعودة الدراسة بعدها، بعد تشتت الأسرة في الإجازة، حيث يتمزق الوقت بين نوم متفاوت في النهار، وسهر يفرق أفراد الأسرة في الليل، وسفر قد يكون فرصة للقاء، وقد يكون فرصة للشقاق والبعد والجفوة. عدنا، فلتعد معنا الحياة الطبيعية، بالضبط الأبوي الحازم، فإذا كان من حق الأولاد أن يدخلوا دائرة كل قرار يخصهم، باستشارتهم، والاستماع إلى تطلعاتهم، لتلبية احتياجاتهم، فإن من حق قائد الأسرة في النهاية أن يحدد الخيار الأفضل، الذي يحقق مصالحهم. ولدينا عدد من الأهداف التربوية الكبرى التي يجب ألا تغيب عما يمكن أن نسميه (دستور الأسرة)، أو لوائحها التي تنظم علاقاتها، التي قد تكون مكتوبة، أو غير مكتوبة، ولكن يجب أن تكون واضحة تماما للجميع، فلا يصح تربويا أن نحاسب أحد أفراد الأسرة على خطأ وهو يجهل القرار الخاص به. البيوت التي لا قواعد لها تنهار، ولكن لا حدية في القرارات الأسرية، بل الاحترام والتقدير الكبيران لكل ما يتفق عليه، مع المرونة في تنفيذه. ولو تأملنا المشكلات الشائعة في البيوت بين الأولاد والآباء، لوجدنا معظمها يتكثف في ستة أسباب: أولها: اختفاء الحوار الجاد، وبروز التسلط الأبوي محله، مما يهيء لانفجار المراهق حين يبلغ السادسة عشرة، ويبحث عن التحرر سرا أو علنا بأية طريقة كانت، والجميع سيخسر بالطبع. ثانيها: عدم تحديد مواعيد العودة إلى المنزل، ومواعيد النوم، مما يدفع إلى جدل يومي، ينتهي نهايات مأساوية في بعض الأحيان، صحيا، أو تربويا، أو أمنيا. ثالثها: عدم تحديد مواعيد مشتركة للوجبات، فكلما اتفق أفراد الأسرة أو معظمهم على مواعيد محددة، كانت الفرصة أكبر للقاءات التربوية اليومية، وليست هذه الجلسات مجالا لتعديل السلوك، ولكن لاكتشاف ما يدور في داخل الأولاد من أفكار، وما يتعرضون له من تعاملات من الآخرين، وللتفريغ الوجداني وخاصة عند وجود أزمة أو مشكلة أو عند العودة اليومية من المدرسة أو الجامعة، فدائما هناك ما يستحق أن يستمع إليه. رابعها: المذاكرة، فالآباء يريدون من أولادهم أن يذاكروا بطريقة معينة، وقدر معين، وفي وقت معين، ومكان محدد، بينما كل هذه الأمور الأربعة تعود إلى اختيار الأولاد، بإشراف الأب أو الأم أو من يقوم مقاميهما، المهم هنا هو الاتفاق على إجابات محددة ومرنة في الوقت نفسه، فيمكن الاتفاق الأولي عليها، كما يمكن تغييرها باتفاق جديد. خامسها: الخروج من المنزل، والعلاقات الخارجية، وهي قضية يمكن حسمها بالاتفاق على ما لا يحتاج إلى استئذان، كالذهاب اليومي إلى صديق معروف، والمذاكرة معه مثلا، فضلا عن الصلاة للبنين في المسجد، وزيارة الأرحام القريبين من المنزل، وما يحتاج إلى استئذان خاص، كرحلة أو سفر أو صديق غير معروف لدى الوالدين. سادسها: التثاقل في أداء الصلاة، وعلاجه: الاتفاق مع الأولاد على الحزم مع النفس، وعدم التردد في أدائها في وقتها، ويحتاج إلى استمرار في التذكير والتشجيع والثناء، والإعانة عليها. وحياة أجمل مع العودة.