هل مكر بهم ماكرون؟ تفاجأ الفرنسيون بنتائج الاستفتاءات التي غطت كافة وسائل الإعلام حول أداء الرئيس بعد مائة يوم من استلامه مقاليد الرئاسة. أظهرت هذه الاستطلاعات وبشكل متقارب جدا بأن تراجع شعبية الرئيس جاء بشكل قياسي، مقارنة بمن سبقوه خلال الولايتين السابقتين. فبينما كانت شعبية الرئيس فرنسوا هولاند عن نفس الفترة 54% والرئيس نيكولا ساركوزي65% هوت شعبية الرئيس ماكرون إلى 40% وهو الذي حصد 65% من أصوات الفرنسيين قبل ثلاثة أشهر فقط. هذا الحدث أشعل النقاشات في كافة الأوساط السياسية والإعلامية وبخاصة في أوساط «الحزب» الحاكم او بشكل أدق التوليفة السياسية الحاكمة وزعيمها إيمانول ماكرون. لماذا حدث هذا التراجع السريع ليس حول شخص الرئيس ورئيس حكومته إدوارد فيليب الذي لم يكن بعيدا عن رئيسه 45%. لا يمكن رد أسباب هذا التراجع لأسباب محددة وواضحة؛ لأن لكل سبب تفاصيله وفي السياسة كما هو معروف، قد تلعب التفاصيل أدوارا تفوق الأصول. مع ذلك، يمكن رصد بعض المعالم الأولية لأسباب تهاوي شعبية الرئيس وفقا لردود الفعل الأولية لوسائل الإعلام وبعض الرموز السياسية في الحكومة والمعارضة وأوساط الرأي العام الفرنسي والتي يمكن أن تكون في الآتي: 1- شخصية الرئيس المركبة والمتمثلة في الذكاء الخارق والقدرات المهنية العالية في كسب النخب والولع في الزعامة الفردية وتعارض ذلك مع ثغرات البرنامج التي تخص الفئات العريضة من القواعد الانتخابية لليمين واليسار. هذه التفاصيل التي استطاع ماكرون-بمكرخلاق- في حملته الانتخابية تجاوزها والوصول إلى الرئاسة عبر تأثيره و«تأثير بعض ممثلي الأحزاب السياسية من اليمين واليسار» ممن تحالفوا معه، جعلته ومن يحيطون به ممن لا يملكون خبرات سياسية، لا يولون أهمية للتعبئة الإعلامية لما بعد النجاح وبخاصة في الأشهر الثلاثة الأولى. أما حلفاؤه من الخارجين على أحزابهم فلم تكن تلك مهمتهم. الأسوأ من ذلك، أن الرئيس نفسه كان يطرح نفسه «كخارج» على النظام وبشكل موارب على الإعلام. وفي هذا السياق جاء التصحيح متأخرا بتعيين صديقه الصحفي المرموق برونو بتي متحدثا باسم الأليزيه. ذلك ما يطلق عليه الاستهانة بدور الإعلام والتعالي عليه والتلميح بفساده. 2- غموض البرنامج الاقتصادي والاجتماعي وانكشاف جوانبه «المؤلمة». البرنامج متفق عليه مع النخب بما فيها النقابات، لكن هذا الاتفاق جاء بناء على قاعدة ملغومة تقول على لسان راعيها: الحكومات السابقة بيروقراطية وفاسدة وغير منجزة لما تقول. البرنامج يقوم على الفعالية القائمة على«سلطة عمودية وحوار أفقي» مع الجميع. معنى ذلك في التفاصيل ليس القضاء على البطالة فقط وإنما«إقرار» قانون العمل الذي لا يساعد فقط على نهوض القطاع الخاص وجلب الاستثمارات عبر تخفيض الضرائب بل يساعد أيضا على توفير مرونة أكبر للمستثمرين في مسائل التوظيف و«الاستغناء» عن العاملين وفق شروط أقل كلفة على المستثمر في حالات الفصل التعسفي.النقابات وممثلوها وحزب فرنسا الأبية بقيادة اليساري المتشدد جان لوك ملنشون يعدون اليوم للنزول للشارع في سبتمبر القادم. 3- اتضحت أكثر توجهات البرنامج الاقتصادي والاجتماعي من خلال التبشير بتطبيق إجراءات كاريكاتورية لخفض الإنفاق الحكومي من خلال رفع الدعم عن السكن لبعض الأسر المحتاجة، والبالغ 5%، وكذلك إيقاف صرف 5 يورو من مساهمة الدولة في مصاريف الأدوات المدرسية للأسر الفقيرة. 4- هناك أيضا نشاطات الأحزاب التقليدية المعارضة بكل ما أصابها على يد من أوقعها في ما هي فيه.. وذلك كغيض من فيض.