مسيرة التاريخ ممتلئة بتماثيل الطغاة والعنصريين الموضوعة في الميادين العامة، ونجدها مدثرة بغضب الشعوب التي تتسابق لخلع أنظمة القهر والطغيان، وما حدث بالاسابيع الماضية في الجنوب الامريكي نية لطي صفحة من ذلك التاريخ المضرج بدماء الضحايا. وحول ما سبق، تصدرت عدة صحف أمريكية وبريطانية، بين صفحاتها ما حدث في يوم 13 اغسطس بمدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينا الأمريكية، احد معاقل الاسترقاق في الجنوب الامريكي، وهو ما قسم الامريكيين الى اغلبية مقتنعة بأن الشعب متساو في حق المواطنة بغض النظر عن اعراقه والوانه؛ في مواجهة اقلية عنصرية تجاوزها التاريخ تصر على ان امريكا حكر على البيض وحدهم دون غيرهم، دون ان تلتفت الى الماضي لتتذكر اصحاب الحق الاصليين. ووفقا لتقرير نشرته «نيويورك تايمز» الأمريكية، ان من قاموا بتدمير تلك الرموز فعلوا ذلك لانها تعيد لذاكرتهم اياما سوداء لا يريدون تذكرها، وهدفهم الغاء فصل هام في التاريخ الامريكي لا يمكن مسحه من الذاكرة بسهولة، وانما كغيره من فترات صعود وهبوط في تاريخ البشرية يترك لاستلهام العبر وتعلم الدرس. وتابعت الصحيفة: «من يستدعي احداث التاريخ يجد ان تدمير الرموز والتماثيل كما هو بناؤها كان شائعا منذ قديم الزمان وما زال يمارس»، ووثقت ذلك في أماكن كثيرة من العالم، بما في ذلك روما القديمة، والازتيك والانكا في امريكا الوسطى. وفيما يخص تجارب الشعوب في ذلك، وصفتها الصحيفة بأنها كما يبدو ارث مشاع ينتقل عبر الزمان والمكان، وقالت: «لقد دمرت الشعوب في نضالها ضد الاستعمار الغربي والسوفييتي في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية واخيرا اوروبا الشرقية، تماثيل جوزيف ستالين وفلادمير لينين، وتمثال المستعمر الاسباني كريستوفر كولمبس الذي غزا امريكا الوسطى في النصف الاول من القرن الخامس عشر بلف حبل حول عنقه على طريقة العراقيين مع تمثال صدام حسين 2003، وكذلك فعل ناشطون شباب في كارولينا؛ عندما قاموا بلف حبل حول تمثال لاحد جنود الكونفدرالية وهووا به ارضا. وشددت «نيويورك تايمز»، على أن ما حدث في شارلوتسفيل وانتقل الى بقية المدن كان ربيعا امريكيا، تصدى فيه الشعب لمجد زائل من القهر والطغيان يريد العنصريون البيض فرضه واستعادة سطوته، لافتة إلى أن الرموز المعنية تحمل اسماء قادة عنصريين ولوحات ونصبا تذكارية، ونصوصا محفورة على الحجر؛ اقيمت في اماكن عامة لتخلد جنود الحركة الانفصالية المعروفة في التاريخ الامريكي بالكونفدرالية وتصل في مجموعها الى اكثر من ألف وخمسمائة رمز. وتطرقت الصحيفة الأمريكية إلى أن بعض هذه التماثيل والرموز يتم الاحتفاء بها من وقت لآخر، لكنها أبدت اسفها حول التمادي في ذلك، ما دفع الاستقلاليين في السنوات الأخيرة الى محاولة تدميرها، وساقت مثالا بما حدث في 1994، عندما قادت الجمعية الوطنية لتقدم الملونين الامريكيين جهودا لحظر التلويح بأعلام الكونفدرالية في ولاية كارولينا الجنوبية ورفعها فوق المقار الحكومية، لينجحوا في ذلك بعد عشرين عاما في 2015، بعد مقتل تسعة اشخاص في كنيسة للسود في تشارلستون على يد عنصريين بيض. وختمت «نيويورك تايمز»، تقريرها قائلة: «كذا فعملية الكر والفر بين الانفصاليين البيض ودعاة حق المواطنة للجميع ظلت تخبو وتتصاعد، ولكن ما اثار اهتمام الامريكيين هو رد فعل الرئيس ترامب الذي اغضب معظم تكوينات الطيف الشعبي، وبلغ حد اتهامه بتبنى تفسير العنصريين البيض لمضامين تلك الرموز وموالاتهم». وفي الجزء الثاني، سنعرض، بإذن الله، تقرير صحيفة الجارديان البريطانية الذي حمل عنوان «التاريخ نتعلم منه، ولا نعيد كتابته». نواصل..