أود، بداية، أن أوضح خطأ ترتكبه معظم وسائل الإعلام العربية، وذلك منذ وقوع جريمة قتل مجرم أبيض لتسعة من السود، في كنيسة بمدينة تشارلستون بولاية ساوث كارولينا، اذ أن هذه الوسائل تتحدث عن «خطيئة» رفع ولاية ساوث كارولينا للعلم الاتحادي فوق مبنى عاصمتها، بجانب العلم الأمريكي!!، وهذا خطأ شنيع، فالعلم الإتحادي، هو ذاته، العلم الأمريكي، أي علم الولاياتالمتحدةالأمريكية الرسمي، أما العلم الذي ترفعه ولاية ساوث كارولينا بجانب العلم الاتحادي ( العلم الأمريكي)، وتخطئ في معرفته وسائل الإعلام العربية، فهو علم «الانفصال»، أي علم «الولايات الكونفدرالية الأمريكية»، وهو العلم الذي صممته واعتمدته ولايات الجنوب الأمريكي، في عام 1861، أثناء انفصالها عن الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد أن قرر الرئيس ابراهام لينكولن إلغاء الرق، وعارضته تلك الولايات، وأعلنت الانفصال، وهو ما أدى إلى قيام الحرب الأهلية الأمريكية، والتي استمرت خمس سنوات، وانتصرت فيها الحكومة المركزية، بقيادة الرئيس لينكولن، وأعادت توحيد أمريكا بالقوة، وانتهى الأمر باغتيال لينكولن في عام 1865!!، على يد متطرف أبيض، ولا زالت معظم ولايات الجنوب، التي سبق لها الانفصال، ترفع علم تلك الفترة الانفصالية، إلى جانب علم الولاياتالمتحدة الرسمي حتى اليوم!!. أمريكا في حرب مع نفسها، حتى ولو بدأ الأمر غير ذلك، ورغم قلة حدة العنصرية في ولايات الشمال الصناعي، والغرب، والشرق، إلا أن العنصرية تضرب أطنابها في ولايات الجنوب، خصوصا ولايات «عمق الجنوب» (الاباما وميسيسبي وجورجيا وأوكلاهوما وساوث كارولينا)، وأذكر أنني سافرت مرة، أثناء دراساتي العليا في أمريكا من مقر سكني، في إحدى ولايات الوسط الشرقي، إلى ولاية فلوريدا في الجنوب، واضطررت للتوقف للتزود بالوقود في منطقة ريفية بولاية الاباما الجنوبية، وبعد أن تفحصني صاحب محطة البنزين، قال لي بلغة جادة :» لا يفترض بك أن تكون هنا، ونصيحتي لك هي أن ترحل قبل حلول الظلام، فالناس هنا لا يحبون الغرباء!!»، وقد رحلت بسرعة فائقة، وهذا حدث في عام 1989، أي قبل مدة غير طويلة، وبعد أكثر من عشرين عاما على إقرار قانون الحقوق المدنية، والمساواة بين السود والبيض!!. نعم، ولاية ساوث كارولينا، والتي وقعت فيها حادثة القتل العنصرية لا تزال ترفع علم الانفصال، وهو العلم الذي يرمز إلى معارضة إنهاء « الرق «، و»العنصرية»، وتفوق الرجل الأبيض، ويحتاج إلغاء هذا العلم إلى قانون من كونجرس الولاية، وهو الأمر الذي لم يتم، منذ قرن ونصف بالضبط، وربما لن يتم، رغم دعوة حاكمة الولاية لذلك، بعد الحادثة الأخيرة، فلا أحد من المشرعين يرغب في تبني هذا الملف، وإلا خسر قاعدته الانتخابية، وغني عن القول إن الحوادث العنصرية زادت كما وكيفا، منذ تولي الرئيس باراك اوباما سدة الرئاسة، فلا يغرنكم تلميع الإعلام لحقيقة العلاقة بين السود والبيض في أمريكا، فالواقع هو أن أمريكا لا تزال في حرب مستمرة مع نفسها، ولا يوجد في الأفق ما يوحي بغير ذلك، ولكن هذه القارة الشاسعة تظل أعظم وأقوى وأنجح امبراطورية عرفها التاريخ ، رغم جسامة بعض أخطائها!!.