جدران البيت المهجور من العاطفة والحنان والمودة والرحمة تكاد تنطبق عليه كل لحظة وأخرى من الجهات الأربع، لم يعد للحياة طعم ولا معنى، شعور ضاغط بأن انهيار العلاقة الزوجية بات وشيكا، وليست هي المصيبة التي تخاف من وقوعها، بل هي تتمناها، ولكن المصيبة هي ما يتبعها من توقع الفراق بينها وبين حبات قلبها، وأجزاء روحها، لقد ضاقت ذرعا بهذا الزوج المدمن على المخدرات والسفر المشبوه والعلاقات المحرمة، ولم تعد تطيق القرب منه، وأما هو فلا يريد فراقها، لا لشيء من الحب أو حتى لحسن العهد بعد سنين من العشرة، بل لتبقى حارسة لبيته في سفره، مربية لأولاده بعيدا عن سفهه، وهو لا يتردد في الإفصاح عن هذا الأمر أبدا، بل يكرره كثيرا، ويردفه بالتهديد الصريح بأنه سيأخذ منها أولادها بمجرد الخلع أو الفسخ، أما الطلاق فقد جعل بينها وبينه بعد المشرقين!! أنموذج بائس لحالات مختلفة في التفاصيل، لكنها متحدة في عواقب القهر والإذلال للزوجة المكبلة بأمومتها وحبها الكبير لأولادها، الذين لو تركتهم له لضاعوا. قرار رائع أصدرته وزارة العدل مؤخرا، يقضي بأن تكون الحضانة للأم، دون الحاجة إلى دعوى، مما يخفف عن الزوجين إجراءات كان لا بد من خوضها حتى يُصدر صك الحضانة، وأكثر من يتعب في هذه الإجراءات هي الزوجة بطبيعة الحال. وقد لا تستطيع الزوجة أن تتقدم بدعوى أصلا، لكون الزوج من أبناء عمومتها أو أقاربها، فتصبر على ما لا يصبر عليه، أو تدع أولادها بين فكي رحى تطحن عقولهم وأخلاقهم ومستقبلهم. وحين يرغب الزوج في الاعتراض على حضانة الأم فيمكنه ذلك، ويحصل على الحضانة إذا كان هو الأحق بها، وحين يكون في ذلك مصلحة الأولاد، فقد تكون الأم غير مؤهلة للحضانة دينا وخلقا، أو لأسباب أخرى. وأجد هذا القرار متمما لقرار سابق، أوجد حلا للنفقة التي يبخل بها بعض الآباء على أولادهم بعد الطلاق، تنكيلا بالزوجة (الأم) وانتقاما منها، فتتحول إلى فقيرة تتكفف الناس إذا لم يكن لها من يرعاها، أو تكون هي موظفة، فتنفق عليهم من مالها، مع عدم وجوب ذلك عليها شرعا. ومن الجميل أيضا أن الوزارة عقدت مع مؤسسات اجتماعية وأسرية في القطاع غير الربحي مجموعة من الاتفاقات التي تقضي باستقبال القضايا قبل إحالتها لأصحاب الفضيلة القضاة، أو بعد إحالتها وقبل التقاضي، بحثا عن سبل الوفاق، والتصالح، وقد نجحت هذه المساعي بفضل الله تعالى، وانتشرت مراكز الإصلاح الأسري في جميع أنحاء المملكة، من خلال جمعيات التنمية الأسرية، ولجان التنمية الاجتماعية، إلى جانب مكاتب المصالحة في عدد من المحاكم، وبخاصة محاكم الأحوال الشخصية. وقد وصل النجاح في هذه المراكز والمكاتب إلى 50 – 76٪، فحُفظت بيوت من التفكك والطلاق، وأعيدت علاقات آباء وأمهات بأولادهم بعد طول هجران، وفي ذلك حفظ للأولاد من التشتت، والفشل الدراسي، بل ومن الجريمة والانحراف في بعض الحالات. وهكذا تربط رؤيتنا الوطنية شرايين قطاعات المجتمع جميعها، لتحقيق الأمن والطمأنينة والرفاه في مجتمعنا المبارك.