واصلت المعادن الثمينة- وفي طليعتها الذهب والفضة- تعافيها على مدى شهر كامل بالتوازي مع الظروف المواتية العديدة الناجمة عن تطورات السوق. كما أن أكبر خسارة شهدها (ستاندرد آند بورز 500) في يوم واحد ولدت طلبا إضافيا من المستثمرين الباحثين عن ملاذ من العاصفة المحتملة. واتسم قطاع الطاقة بتوجهات متضاربة، حيث كان الغاز يسجل ارتفاعا متواصلا أغلب الأشهر الثمانية الماضية مع وصول المخزونات إلى مستويات تقارب المتوسط طويل الأمد بناء على الأخبار التي كانت تشير الى أن الولاياتالمتحدة في طريقها للتحول لمصدر صاف للغاز الطبيعي. وبالمقابل ما زال المشهد العام لأسعار النفط متراوحا بين رفع الإنتاج وخفض المخزونات رغم أن أسس النفط الخام تبدي بوادر تحسن. وواصل الذهب صعوده نحو أهم مقاومة مع انتقال محور التركيز من البيانات الاقتصادية الأمريكية (التي جاءت أقوى من العادة) إلى الطلب على الملاذات الآمنة، وبالتالي شهدنا حركة لجني الأرباح مطلع أغسطس بعد عدم تحقق توقعات تقرير الأجور في القطاعات غير الزراعية الأمريكية. وانحصر النفط الخام ضمن نطاق ضيق نسبيا بعد ارتفاعه خلال يوليو، ما شكل تغطية قصيرة المدى لهذه الحركة. وعند هذه المرحلة تبقى إمكانية الصعود محدودة، بما أنه من المرجح للإنتاج المتزايد في الولاياتالمتحدة وليبيا أن يعيد التوازن إلى هذا الهبوط المتواصل في المخزونات والصادرات. وشكل تدني مستوى الامتثال في «أوبك» وارتفاع الإنتاج الليبي أهم عنصرين ساهما في تحفيز دورة البيع القصيرة خلال يونيو، حيث وصل إجمالي المواقع قصيرة الأمد التي تملكها صناديق التحوط في برنت وخام غرب تكساس إلى ثاني أعلى مستوى قياسي له. ومع حلول شهر يوليو وتفعيل سياسة الحد من الصادرات وتراجع المخزونات كما هو مذكور أعلاه، فقد أصبحت السوق معرضة لقصر مدى التغطية وعانت من انحسار في المواقع قصيرة المدى بعدها. وخلال فترة الأسابيع الخمسة التي سبقت مطلع أغسطس، أقدمت صناديق التحوط على رفع صافي مواقعها طويلة الأمد في خام برنت وخام غرب تكساس بمقدار 294 مليون برميل. كما أن نشاط الشراء الجديد أضاف 102 مليون برميل، في حين تم خفض المواقع القصيرة بمقدار النصف (192 مليون برميل). وكانت زيادة الأسبوع الماضي (بمقدار 101 مليون برميل) أكبر زيادة أسبوعية منذ مطلع ديسمبر الذي شهد اجتماع منتجي النفط من أعضاء «أوبك» وخارجها للاتفاق على مبادرة مشتركة لخفض الإنتاج. ومع عودة سعر خام غرب تكساس إلى 50 دولارا للبرميل، واقتراب برنت من هدفنا للربع الثالث عند 55 دولارا للبرميل، فإنه من المفيد إلقاء نظرة على ما هو مطلوب للحفاظ على التعافي الأخير في النفط، والذي يمكن تلخيصه بالنقاط التالية: تباطؤ المنصات الأمريكية والحد من نمو الإنتاج كاستجابة لتراجع الأسعار. حدوث انخفاض موسمي في أسهم النفط الخام الأمريكية (يمتد الموسم عادة حتى نهاية سبتمبر). قيام «أوبك» بالتضييق على الدول غير الملتزمة بخفض الإنتاج، وذلك مع حفظ الصادرات المنظورة (مثل الصادرات الأمريكية). تباطؤ الإنتاج الليبي والنيجيري أو حدوث انقطاعات فيه. وقوع حدث جيوسياسي هام. وعند هذه النقطة تبدو الأسس آخذة في التحسن، مع تراجع المخزونات الأمريكية والعالمية في استجابة لنمو الطلب العالمي الذي بلغ مستويات تفوق ما هو متوقع، حيث أخذ القسم الأمامي من منحنى برنت بالتحرك إلى الخلف مع تداولات أسعار أعلى من الشهر الماضي، وذلك بالتوازي مع إرسال إشارات بخفض المخزونات (إثر وصول الطلب الصيفي إلى ذروته)، وهو ما ساهم في تفضيل برنت على خام غرب تكساس، الأمر الذي قد يؤدي لزيادة طلب التصدير على الخام الأمريكي، وبالتالي يسفر عن خفض المخزونات الأمريكية. وفي هذه الأثناء ما زالت «أوبك» تعاني من ارتفاع الإنتاج وعدم التزام أعضائها بالإطار المتفق عليه، فقد أشارت أحدث نسخة من «تقرير سوق النفط» الصادر عن وكالة الطاقة الدولية إلى أن مستويات الإنتاج خلال يوليو قد بلغت قمة جديدة مع مواصلة ليبيا زيادة انتاجها، وتراجع التزام أعضاء «أوبك» بخفض الإنتاج بمقدار 75% (وهو المستوى الأدنى هذا العام). كما خفضت وكالة الطاقة الدولية تقديراتها بخصوص كمية النفط الخام المطلوب من «أوبك» عن العامين 2017 و2018، وهو تطور سيكون من شأنه جعل زيادة الإنتاج صعبة أكثر فأكثر بالنسبة للمنظمة بعد انتهاء سريان مفعول الاتفاقية الحالية في مارس القادم. وفي حين تبدو الصورة إيجابية مجددا على المدى الطويل، من المرجح للسوق أن تبقى محصورة ضمن إطار محدود ومعرضة للبقاء لفترة أطول عند مستويات منخفضة نسبيا بالمقارنة مع ما تم تسجيله في مطلع العام. وقد نجد خام غرب تكساس محدودا بنطاق بين 47 إلى 50.5 دولار للبرميل كنتيجة لتقلب التركيز بين رفع الإنتاج وانخفاض المخزونات.