ربما مقولة أن العالم أصبح بمثابة قرية لم تعد معبرة في ظروف هذا الحراك الهائل للوسائط الإلكترونية التي تفرعت كجداول من نهر تقنية الاتصالات الهادر. فإذا كانت برامج الاتصال كالإنترنت والإيميل وسكايب بي... هي من دفعت هذه المقولة إلى الواجهة، فبرامج التواصل الاجتماعية الأخرى كتويتر والفيس بوك والواتس أب وسناب شات قد خلقت ما يمكن تسميته ب«المواطنة الافتراضية» حسب ابتداع توماس مارشال لهذا المصطلح والتي هي بالضرورة اجتماعية. فوشائج هذه العلاقات المعقدة والترابط بين أفراد متوزعين على نطاق جغرافي متباعد، أخذته في الاعتبار تلك الوسائط وعملت عليه عندما هيأت أن يجمعهم فضاء واحد ومشترك ثقافي محدد ينتسبون إليه. وفي تتبع مباشر لهذه الظاهر، نجد العديد من مجموعات الواتس أب وقد بنيت على هذه الفكرة وفق محدد فكري أو أدبي معين، بالإضافة إلى مجموعات علمية ومهنية. ولنا كشاهد على ذلك منتدى «الرأي الآخر» الإلكتروني والذي تأسس عام 2012 وأُقفل بموافقة أعضائه بداية عام 2017 مثالاً على حراك ثقافي تعدى حدود الوطن إلى ما جاوره من بلدان تحاورت في مواضيع ثقافية مهمة بعيدة عن أمور تعتبر معيقة في تقدم المجموعة وشواغلها الفكرية كالسياسة والفروقات الدينية والمذهبية، وكان من حصيلتها مادة ثقافية رائعة تنوي نشرها في كتاب إلكتروني. والمثال الآخر أدبي بحت وهو منتدى القصة القصيرة الإلكتروني بأعضاء الذين تجاوزوا المائة من كافة أقطار عالمنا العربي يكتبون القصة ويتناقشون حولها حتى أصبحت بمثابة ورش عمل متصلة وخلقت جواً من التواصل الفعّال بين أعضائه، هذا غير الاستفادة من تبادل الخبرات وإثرائها. هذان المثالان لا يختزلان الواقع الثقافي، بل يطرحان نموذجاً جديراً بالدراسة عن أفق العمل الثقافي والأدبي والتحدي البارز الذي على النقد الثقافي مواجهته واستيعابه كظاهرة بارزة.