تبدو أن كل المعلومات المستقاة من تداعيات المقاطعة الخليجية لدولة قطر تفيد بأن الدوحة راغبة وبسرعة في الوصول إلى تسوية تضع حدا للأزمة التي أرخت بثقلها على البلاد وحوّلتها الى دولة مهددة بالانهيار. وبحسب القراءات فإن كل الوسطاء الذين التقوا القيادة القطرية والأمير تميم بن حمد آل ثاني أجمعوا على أن الأخيرة تبحث الآن عن مخرج يحفظ لها الحد الأدنى من معنوياتها ولا يظهرها أنها قبلت بتسوية ما ولم تخضع لاستسلام كامل، ولا تبدو بحسب المراقبين أن هذه الأزمة آخذة في التصاعد باعتبار أن الدوحة قبلت ضمنا بتنفيذ كل الشروط التي فرضتها عليها دول مجلس التعاون الخليجي لتعيدها الى الصف العربي. الدور الإيراني الانتهازي يشدد المحلل السياسي الإعلامي نديم قطيش في تصريح ل«اليوم» على أنه «من الصعب التوقع بشكل حاسم ما ستقدم عليه قطر في سياق هذه الأزمة إلا أنه من الواضح والثابت ان السعودية والامارات ومصر والبحرين لن يتراجعوا عما أقدموا عليه، فهم يرون ضرورة وضع حدّ نهائي لتمويلها ودعمها للإرهاب، بدلًا من التسويات الموضوعية التي حصلت في 2014 وقبل ذلك»، موضحا أن «هناك قرارا حاسما بأن قطر تقوم بدور تخريبي مضرّ بمصالح الأمن القومي العربي وينبغي وضع حدّ له، متسائلا «هل ستعود قطر الى رشدها في هذا الموضوع أم أن تورطها في المشروع الذي هي جزء منه وتحديدا مشروع الاسلام السياسي في شقيه الدولي والميليشياوي أكبر من أن تعود الى رشدها؟»، متمنيًا «ألا يكون الأمر كذلك». ويقول قطيش: «تبدو الإشارات التي تأتي باتجاه قطر أنها تبحث عن تسوية تحفظ لها ماء الوجه، هناك استعراض علاقات دولية إن كان مع تركيا أو مع إيران، الا أن الأمر المضحك بشأن إيران التي كانت تتهم قطر بالأمس على أنها داعمة ومصدرة للإرهاب ومفبركة لما يحصل في سوريا، فلقد ردد الممانعون مرارا أن صور المظاهرات السورية كانت تفبرك في استديوهات الجزيرة في قطر، الا أن المفارقة الآن أن أول من ذهب لإنقاذ قطر كانت إيران..! وهذا أمر لافت ويطرح علامة استفهام كبيرة حول مصداقية خطاب فريقي الممانعة والمقاومة حول قطر في الفترة الماضية، فإذا كانت هي مصنع إرهاب فلتترك لشأنها وإن كانت ليست كذلك، فلماذا كنتم تقولون عنها ذلك في السابق، ففي أي مرة أنتم تكذبون الآن أم سابقا». يوضح المحلل السياسي الإعلامي نديم قطيش «أن قطر تعطي إشارات تتضمن رغبة بالتسوية وحفظ ماء الوجه، فهل هنالك سبيل لذلك، لا أحد يريد إذلال قطر أو إذلال الشعب القطري ولا التعرض لكرامتها كدولة أو شعب، بينما هناك برنامج سياسي وثوابت سياسية على قطر الالتزام بها حفاظا على أمن جيرانها وحفاظا على مسؤوليتها العربية والخليجية». وعن مدى صمود قطر، يشير قطيش الى انه «من الواضح أن ردة الفعل الخليجية والعربية باتجاه قطر كانت مؤلمة ومؤذية وانعكست على هبوط أسواق الأسهم، بالإضافة الى الضغط الذي حصل على المواد الاستهلاكية الداخلية، والضغط على العملة، من الواضح ان هناك ألما كبيرا جرّاء الإجراءات التي حصلت، إنما قطر دولة غنية بالنقد وقادرة على الصمود في الأمد القصير، إلا أن ذلك له انعكاسات على علاقة قطر بدول مجلس التعاون الخليجي ومن ثم علاقتها بمحيطها العربي، فالنافذة التي دخلت منها إيران هي نافذة انتهازية وانتهاء صلاحيتها سريع جدا، لا ينبغي أن تتوهم الدوحة أن هذا الامر سيوفر لها شبكة أمان طويلة الأمد. قطر جزء من الخليج العربي وجزء عزيز من الخليج العربي وعليها أن تعود الى رشدها في هذا الموضوع وأن تعود الى ثوابت الجغرافيا والتاريخ والهوية». خسائر بورصة قطر وفي هذا السياق، أشارت التقارير الى أن متوسط خسائر البورصة القطرية بلغ لكل ساعة تداول منذ بداية المقاطعة السعودية الخليجية، نحو 2.6 مليار ريال قطري، إذ بلغ إجمالي الخسائر السوقية نحو 37.15 مليار ريال قطري. وما زالت الأموال الخليجية والأجنبية تستمر في مغادرة البورصة القطرية، رغم محاولة المؤسسات والصناديق القطرية تجنب مزيد من الخسائر في البورصة، حيث تشهد المؤسسات القطرية قوة شرائية في السوق إلا أن هذه المحاولات لم تنجح. وسجل صافي مبيعات الخليجيين والأجانب منذ بدء الأزمة نحو 820.28 مليون ريال، منها 584.6 مليون ريال أموال خليجية مقابل 235.7 مليون ريال قطري أموال أجنبية. وأوضحت وكالة بلومبيرج في تقرير لها «إن عائدات الغاز الطبيعي المسال أتاحت لصندوق الثروة السيادية القطري استثمار نحو 335 مليار دولار حول العالم. لكن القطيعة مع جاراتها تهدد الآن بإعاقة قدرة هيئة الاستثمار القطرية على الاستمرار في احتلال العناوين الرئيسية من خلال صفقاتها العالمية». وبحسب سيفن بهرانديت، المدير الإداري لشركة جيو إيكنوميكا الاستشارية المختصة في المخاطر السياسية: «المخاطر السياسية التي يواجهها المستثمرون القطريون، بما فيها هيئة الاستثمار القطرية، ستزداد والصفقات الجديدة ستكون صعبة على الأرجح، والتدقيق سيكون أكبر»، وأضاف: «قطر تسير على حبل رفيع. دعمها الجماعات المتطرفة في أماكن أخرى من العالم العربي هو ما أثار رد الفعل الذي نراه من جيرانها الآن».