تهدف الشركة إلى تحقيق الربح المادي وتوزيعه على الشركاء المساهمين، وهذه الأرباح التي تحققها الشركة هي عبارة عن المبالغ التي تضاف إلى ذمتها، وتكون المحصلة الايجابية للعمليات التي تباشرها. وحيث إن هذه الأرباح ونوالها هو الهدف الأكبر للمستثمر والشريك المساهم في الشركة وأيضاً لدائنيها، لذلك وجب أن تتحقق لها الحماية، وأن تُجرّم الأفعال التي قد تمسّها وتغضُّ من حقيقتها وواقعية حصولها واستحقاقها سواءً بالسلب أو بالإيجاب. وهذه الأرباح يكون تحققها -محاسبياً- عن طريق المقارنة بين النفقات والتكاليف التي تبذلها الشركة، وبين العائد الإجمالي من العمليات، ومن مجموع هذه العائدات يتكون الربح الإجمالي للشركة في سنتها المالية. ولكن هذه الأرباح لا تكون أرباحاً صافية ومستحقة للتوزيع إلا بعد خصم المصروفات والاستهلاكات واقتطاع الاحتياطي، ثم يعتبر الباقي بعد ذلك ربحاً صافياً يجب توزيعه على المساهمين وغيرهم بالكيفية المبيّنة في الأنظمة المقررة وكذلك في نظام الشركة، وللتوضيح: فإن الاستهلاك يُقصد به النقص التدريجي في الأصول الثابتة كالمباني والآلات والسيارات بفعل الزمن والاستعمال، والذي يجب على الشركة أن تقتطع جزءًا من أرباحها السنوية لتغطية هذا النقص التدريجي. وقد أشار المنظم السعودي في المادة العاشرة من نظام الشركات الجديد إلى أنه لا يجوز توزيع أرباح على الشركاء إلا من الأرباح القابلة للتوزيع، وأنه إذا وزعت أرباح صورية على الشركاء، جاز لدائني الشركة مطالبة كل شريك - ولو كان حسن النية- برد ما قبضه منها، وأما الأرباح الحقيقية التي تم قبضها فقد نصت ذات المادة على أنه لا يُلزم الشريك بردها ولو منيت الشركة بخسائر في السنوات التالية. ولكن يُؤخذ على نظام الشركات السعودي -سواءً القديم أو الجديد- عدم نصه على تحديد ماهية الأرباح الصافية على وجه دقيق، حيث إن هذا مهمٌ في تكييف القضايا المتعلقة بالتلاعب في توزيع الأرباح عند حدوثها، وقد سبق أن أدرجت هذه الملاحظة مع جملة من الملاحظات أرسلتها قبل سنتين لوزير التجارة آنذاك، علماً بأن تعريف الأرباح الصافية في قوانين الشركات لدولٍ أخرى أمرٌ شائع، ومضمون هذا التعريف هو أن الأرباح الصافية أو الحقيقية هي الأرباح الناتجة عن العمليات التي باشرتها الشركة وذلك بعد خصم جميع التكاليف اللازمة لتحقيق هذه الارباح، وبعد حساب وتجنيب كافة الاستهلاكات والمخصصات التي تقضى الاصول المحاسبية بحسابها وتجنيبها قبل إجراء أي توزيع بأي صورة من الصور. ومن المعلوم أن من المخصصات التي تستقطع قبل توزيع الأرباح هو مخصص الاحتياطي النظامي السنوي ما لم يبلغ الحد المقرر له نظاماً. كما أنه من المتقرر سواءً عند المنظم السعودي أو غيره عدم جواز توزيع أرباحٍ إذا كان من شأن ذلك منع الشركة من أداء التزاماتها النقدية في مواعيدها، وذلك حمايةً وتقويةً لائتمان الشركة. وكذلك من الأمور المخالفة للنظام والقانون ما تقوم به بعض الشركات من إعادة تقييم بعض أو كل أصول الشركة وتوزيع الفارق كأرباح، وذلك لأنها تكون أرباحاً صورية غير حقيقية لأنها ليست نتاج بيعٍ حقيقي بل إعادة تقييم. كما أن توزيع الأرباح الصورية (غير الحقيقية) يعمل على إظهار الشركة في موقف مزدهر زائف، مما قد يؤثر على التعاملات داخل الأسواق المالية تجاه أسهم الشركة ويدفع المستثمرين إلى شراء أسهمها، أو قد يُغري البنوك لإقراض هذه الشركات بالرغم من أن الشركة قد تكون في حالة تعثر، فضلاً عن الأضرار التي تصيب الأسواق المالية نتيجة الازدهار الزائف لأسهم هذه الشركات وما تحدثه من تأثيرات على الاقتصاد القومي، هذا بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً من أن هذا التوزيع يمثل خطورة على دائني الشركة في ضمان حقوقهم. والمنظم السعودي حمايةً لائتمان الشركة وقوة مركزها المالي وحقوق الدائنين فيها جرّم توزيع الأرباح غير الحقيقية، وقد أحسن حينما تجاوز مواضع الانتقاد على نصه التجريمي في نظام الشركات القديم والذي كان نصه في المادة (229/5) منه: «كل مدير أو عضو مجلس إدارة حصّل أو وزع على الشركاء أو غيرهم أرباحاً صورية». حيث كان هذا النص فيه جملة ملاحظات سبق أن أرسلتها لوزير التجارة قبل سنتين، وهي أن هذا النص حصر تجريم هذا السلوك في مدير الشركة أو عضو مجلس الادارة وهو حصرٌ في غير محله، ويساعد غير الأشخاص الواردين فيه على الافلات من العقاب إذا ما وقع هذا السلوك منهم، كما أن مراجع الحسابات لم يتم ذكره ضمن المذكورين في النص رغم أن هذا السلوك شائعٌ ارتباطه به لكونه يصادق على توزيع تلك الأرباح، ويضاف كذلك انتقاد النص على تضييقه لدائرة التجريم على الأرباح الصورية فقط، بينما المفترض توسيع الدائرة لتشمل أيضاً التوزيع على خلاف أحكام النظام أو نظام الشركة ذاتها ولو كانت الأرباح حقيقية. ولذا جاء النص في نظام الشركات الجديد متجاوزاً لتلك الملاحظات ونص في المادة (213/أ) منه على عقوبة الغرامة بما لا يزيد على خمسمائة ألف ريال على: (كل من قرّر أو وزّع أو قبض بسوء نية، أرباحاً أو عوائد على خلاف أحكام النظام أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس، وكل مراجع حسابات صدّق على ذلك التوزيع مع علمه بالمخالفة). ومن الطريف هنا أن أذكر للقارئ الكريم أن بعض القوانين العربية والأوروبية لم تَقصُرْ الأرباح الصافية على المساهمين فقط، بل شملت بجزء منها العاملين في الشركة دون إخلال بما يتقاضونه من أجور ثابتة، وذلك على أساس أن دور عنصر العمل في مجموعه لا يقل عن دور رأس المال في انتاج الربح، وأن إشراك العاملين في الربح يُوجد لديهم حافزاً يربطهم بنشاط الشركة ويدفعهم إلى مضاعفة الجهد في خدمتها. بقي أن أُشير إلى أمرٍ مهم وهو أن الأرباح لا تُعدّ صورية، إذا تم توزيعها بقرارٍ من الجمعية العامة من الاحتياطي الحر أو الاختياري، بشرط ألا يكون قرارها مناقضاً لمصلحة الشركة، وذلك لأن هذا الاحتياطي لا يعتبر مكمّلاً لرأس المال، ومن ثمَّ فلا ضرر على دائني الشركة إن هي قررت توزيعه على المساهمين. كذلك لا تُعتبر من قبيل الأرباح الصورية المبالغُ التي يتم توزيعها على المساهمين من الاحتياطي المستتر لكون هذا الاحتياطي لا يظهر في الميزانية؛ ولأن توزيعه لا يمس بمبدأ ثبات رأس المال. وحيث إننا قد أتينا على ذكر احتياطيات الشركات فلعلنا في المقال القادم نتوسع في ذكر أنواع هذه الاحتياطيات بشيء من التفصيل بإذن الله تعالى.