تحدَّثنا في المقالين السابقين عن العديد من الإجراءات والجوانب النظاميَّة التي نصَّ عليها نظام الشركات الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/3) وتاريخ 28/1/1437ه، بشأن إجراءات تصفية الشركات وما يترتَّب عليها من نتائج وآثار بالنسبة للشركاء وبالنسبة للغير، وما زلنا نستأنفُ الحديثَ حول هذا الموضوع. استكمالاً لما سبق ذكره، يقوم المُصفِّي خلال مدَّةٍ زمنيَّة حدَّدتها المادة (209) من نظام الشركات الجديد المشار إليه أعلاه، بثلاثة أشهر من مباشرة أعماله - وبالاشتراك مع مُراجع حسابات الشركة إن وُجد - بالقيام بإجراء جردٍ لجميع أصول الشركة وخصومها، وإعداد ميزانيَّة لكل سنة ماليَّة، وتقديم تقرير عن أعمال التصفية مشتملاً على ملاحظاته وتحفُّظاته على أعمال التصفية واقتراحاته لتمديدِ مدَّة التصفية إنْ تطلَّب الأمر ذلك. ويجب عليه كذلك عند الانتهاء من أعمال التصفية القيام بإعداد تقريرٍ ماليٍّ تفصيليٍّ عمَّا قام به من أعمال. وتنتهي أعمال التصفية بتصديق الجهة التي عينت المُصفِّي على هذا التقرير، وبالتالي تنقضي الشخصيَّة الاعتبارية للشركة، مع مراعاة وجوب قيام المُصفِّي بشهرِ الانتهاء من إجراءات عملية التصفية بطرق الشهرِ المقررة لما يطرأ على عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس من تعديلات. والغاية من شهرِ انقضاء الشركة سواء أكانت شركات أموال أو شركات أشخاص هو الاحتجاج بهذا الشهرِ في مواجهة الغير، وإلَّا كان الشركاء مسؤولين عن أعمال الشركة. وبعد الانتهاء من تصفية الشركة وتحويل موجوداتها إلى أموال نقدية، تبدأ مرحلة تقسيم هذه الأموال بعد الوفاء بكافَّة ديون الشركة التي حلَّ أجلها، واستقطاع المال اللازم للوفاء بالديون الآجلة كما سبق وأن أشرنا لذلك في المقال السابق. ويتمُّ تقسيم هذه الأموال وفقاً للطريقة التي اتفق عليها الشركاء في عقد تأسيس الشركة، وفي حالة عدم اشتمال عقد الشركة على طريقة وكيفية إجراء عملية التقسيم، يقوم المُصفِّي بتوزيع الأموال على الشركاء، بحيث يحصل كلُّ شريك على ما يعادل قيمة حصته في رأس مال الشركة. أمَّا إذا نتج عن أعمال القسمة أرباحٌ بعد سداد قيمة حصص الشركاء، فإنَّها توزع على جميع الشركاء وفقاً لما تمَّ الاتفاق عليه في عقد الشركة، فإذا لم يتضمن العقد تنظيماً لهذا الأمر فيجب أن توزَّعَ الأرباحُ على حسب نصيب كل شريك في الأرباح. أمَّا إذا حقَّقت الشركة خسائر لأنَّ صافي موجوداتها يقلُّ عن رأس مالها، وبالتالي لا يكفي للوفاء بما يعادل حصص الشركاء، فهنا يجب توزيع الخسائر بين جميع الشركاء بحسب النسبة المقررة في توزيع الخسائر. وفي هذا الصدد نصَّت المادة (208) من نظام الشركات على أنه: «3/ على المُصفِّي بعد سداد الديون أن يردَّ إلى الشركاء قيمة حصصهم في رأس المال، وأن يوزِّعَ عليهم الفائض بعد ذلك وفقاً لأحكام عقد تأسيس الشركة، فإن لم يتضمَّن العقد أحكاماً في هذا الشأن وزَّع الفائض على الشركاء بنسبة حصصهم في رأس المال. 4/ إذا لم يكفِ صافي موجودات الشركة للوفاء بحصص الشركاء وُزِّعتْ الخسارة بينهم بحسب النسبة المقرَّرة في توزيع الخسائر». ومن أجل حماية حقوق دائني الشركة، والحفاظ على استقرار المعاملات التجارية، وحماية مصالح الشركاء والمدراء من المطالبات المتأخِّرة، بعد انتهاء عملية التصفية وانقضاء الشخصية الاعتبارية للشركة، فقد نصَّ المنظِّم السعودي على مدَّة لتقادم الدعاوى الناشئة عن الشركة، وفي هذا الشأن تنصُّ المادة (210) من نظام الشركات على أنَّه: «فيما عدا حالتي الغشِّ والتزوير لا تُسمع الدعوى ضد المُصفِّي بسبب أعمال الشركة أو ضدَّ مديري الشركة أو أعضاء مجلس الإدارة أو مراجع الحسابات بسبب أعمال وظائفهم بعد انقضاء خمس سنوات على شهر انتهاء التصفية وفق أحكام المادة (209) من النظام وشطب قيد الشركة من السجلِّ التجاريِّ وفقاً لنظام السجل التجاري، أو ثلاث سنوات من انتهاء عمل المُصفِّي، أيهما أبعد». وتسري مدَّة التقادم بداية من تاريخ شهر قرار تصفية الشركة بالطرق النظامية، وخلال هذه المدَّة يحقُّ لدائني الشركة المطالبة باستيفاء حقوقهم وسائر التزاماتهم، أمَّا بعد انتهاء هذه المدَّة فيسقط الحقُّ في مقاضاة المصفِّين أو الشركاء أو المدراء أو أعضاء مجلس الإدارة أو مراقبي الحسابات لسقوطِ الحقِّ بالتقادم. وهذا التقادم يشمل كافة الدعاوى الناتجة عن أعمال ونشاط الشركة السابق على عمليَّة التصفية، ومن ذلك على سبيل المثال الدعاوى التي يرفعها الشركاء أو الغير ضدَّ المصفِّين بسبب أعمال التصفية، أو الدعاوى التي يرفعها دائنو الشركة على الشركاء نتيجةً لمسؤوليتهم الشخصيَّة والتضامنيَّة عن ديون الشركة كما هو الشأن في شركة التضامن. وفي الختام، أفيد الإخوة والأخوات القراء الكرام في جريدتنا الغراء (جريدة اليوم) بأنني سوف أتوقف عن الكتابة في عمودي الأسبوعي «رؤى قانونية» خلال شهر يوليو وسأعود بإذن الله للكتابة بعد إجازة الصيف. وبمناسبة حلول عيد الفطر المبارك أتقدم للجميع بأسمى التهاني والتبريكات، وكل عام والجميع بخير إن شاء الله.