يا قوم: من هذا الشيخ المصلوب؟ - أحد الفقراء - هل تعرف من قتله؟ - نحن القتلة - أبأيديكم؟ - بل بالكلمات- منعونا: منعا منعا - أعطوا كلا منا دينارا من ذهب - قالوا: صيحوا زنديق كافر - صحنا زنديق كافر - قالوا: صيحوا فليقتل - قلنا فليقتل.. بهذا يضعنا الشاعر صلاح عبدالصبور وجها لوجه أمام سلوك القطيع، وذهنية الذي «عقله في أذنيه» وقد أوضح غوستاف لوبون (1841 - 1931) في كتابه «سيكولوجية الجماهير» «ان الميزة الأساس للجمهور هي: انصهار افراده في روح واحدة وعاطفة مشتركة، تقضي على التمايزات الشخصية، وتخفض من مستوى الملكات العقابية..». ولكن هذا يحتاج إلى ضوء أشد ليفسر لنا سلوك القطعان المختلفة في الحاضر، فإذا كان هذا يفسر سلوك جمهور المظاهرات والهيجان الذي نشاهده في (الميادين) فهو لا يفسر ما نراه على الشاشات من انتحاريين يفجرون أنفسهم وسط مجموعة من الناس لا لهدف غير ارضاء نوازع شريرة في انسان آلي. وسوى وهم زرعه فيه أولئك الذين «على الأرائك متكئون». هناك ما يبدد بعض الضباب عن فضاء هذه المسألة.. في كتاب لوبون (ص57) إذ يقول: «إن أفراد عرق ما.. يتشابهون، خصوصا بواسطة العناصر اللاواعية التي تشكل هذا العرق، وهم يختلفون عن بعضهم البعض بواسطة العناصر الواعية الناتجة عن التربية، ثم بشكل أخص عن الوراثة». يقصد لوبون بالعرق العرق (التاريخي) وقد نفى هاشم صالح أن يكون هذا التعبير تعبيرا عن العنصرية وأرى أنه مرادف لتعبير (العرق الثقافي) الذي قال به كلود ليفي شتروس (1908 - 2009) وقد أدين شتروس على هذا التعبير من كثير من الباحثين واتهموه بالعنصرية. يبدو أن المراد بالعرق التاريخي هو ما مر على الأمة عبر التاريخ من حقائق وأوهام وهزائم وانتصارات وقيم مختلفة.. وهذا دون شك له تأثير على رؤية الأمة لكل شيء. ولا شك كذلك أن ما مر على العرب من وهم وخرافة ورعب من توالي الاضطهاد ومحو شخصية الفرد.. له تأثير ساحق على خلق القطعان.