إن تبرير العنف دينيا أصبح علامة فارقة للجماعات الإسلامية المتشددة وتنظيم القاعدة من أبرز التنظيمات الإرهابية التي جاهرت بالمظاهر الداعية إلى المبادرة بالاعتداء، وروجت لمنطق الحرب الدينية مستندة إلى مفهومي الحاكمية، والجاهلية، اللذين أخذا بعدا تكفيريا داخليا وخارجيا من خلال وصف العالم بالجاهلية لفقدانه الحاكمية، الأمر الذي يفرض المواجهة الحتمية بين دار الإسلام ودار الحرب، لقد تطور الأخذ بأفكار منظري العنف كالمودودي وسيد قطب وغيرهما وأخذ منحى خطيرا حين أكد تقسيم العالم بمفهومي الدارين اللتين سبقت الإشارة إليهما وإلى آثارهما داخليا وخارجيا، لقد أسهم ذلك التطور بشكل كبير في تشويه حقيقة الإسلام وتكريس الصورة النمطية للغرب عن الإسلام بأنه دين إرهاب. وهنا نعود فنؤكد على ضرورة مراجعة التراث الفقهي عموما ومنها مسألة التقسيم إلى داري الإسلام والحرب، لأن هذه القسمة أصبحت اليوم حجة على المسلمين بأنهم لا يمكن أن يكونوا مصدر استقرار في العالم؛ طالما يعتقدون ويبررون التعاليم التراثية التي تنفي الآخر، مع أن واقع المسلمين في حقيقته في أكثر أنحاء العالم يشهد بأنهم هم المعتدى عليهم والمستضعفون، ولكن جزء لا يستهان به من تبريرات الاعتداءات الإرهابية طغى على الصورة اعلاميا والاستناد في تلك التبريرات لهذا التقسيم يثير إشكالات كثيرة وقلقا وتساؤلات في هذا العصر، منها ما هو المعنى الصحيح لسلطان الإسلام؟ وهل هو إقامة أحكام الإسلام بشكل كامل، مما يعني أن أكثر بلاد المسلمين اليوم لم تعد دار إسلام، وهل يكفي أن تطبق أحكام الأحوال الشخصية الإسلامية من دون سائر القوانين؟ مما يعني خروج بلاد إسلامية عريقة من دار الإسلام، وهل يكفي أن يقيم المسلمون شعائر الإسلام بحرية كالصلاة والصيام لتعدّ الدار دار إسلام؟ إن هذا يعني أن أكثر بلاد المسلمين تعدّ اليوم دار إسلام. وهذا يثير السؤال عن حكم كثير من البلاد الأجنبية التي يأمن فيها المسلمون ويقيمون شعائرهم بحرية أكثر من هل تعتبر دار إسلام أم لا؟ وأي الدول تعدّ دار إسلام في عصرنا وفق التعريف الفقهي التراثي، فإذا أخذنا بالحسبان المعايير المبنية على مفاهيم السلامة والأمن التي يتبناها علماء المذهب الحنفي، تكون النتيجة مختلفة بل ومتعارضة، فالمسلمون في الغرب يمكن أن يشعروا أنهم أكثر سلامة فيما يتعلق بممارستهم لدينهم من بعض من تتسمى بالبلدان الإسلامية، وقد يقودنا هذا التحليل إلى أن وصف دار الإسلام، المبني على معايير السلامة والأمن، ينطبق على البلدان الغربية بينما لا يكاد ينطبق على الغالبية من البلدان الإسلامية. إن تصور العالم منقسما إلى دارين يبطل مفهوم الأقلية المسلمة في بلاد غير المسلمين، ولهذا أجرى الفقهاء عليها عموما أحكام دار الكفر ذاتها، وعدوا الإقامة بدار الكفر غير جائزة لغير حاجة أو ضرورة، وجعلوا الهجرة واجبة لدار الإسلام. إن ما جرى من تطورات في الأقليات المسلمة في العالم المعاصر في البلاد الأجنبية يستدعي اعادة النظر في هذا التقسيم، وإن تجزئة بلاد المسلمين الى دول قطرية في العصر الحديث مع غلبة النظم العلمانية ومفهوم الدولة الوطنية التي تعتمد مفهوم الأقلية والأكثرية أساسا للنظام السياسي، يجعل من غير الممكن تجاهل معيار العدد السكاني. إن هذه الإشكالات الخطيرة تبرز أن هذا التقسيم فاقد للواقعية، وتثبت أن الفقه الإسلامي قد أفرز هذا المصطلح قديما في ظل ظروف تستدعيه، وليس في البحث الفقهي استدلال له انما كان استئناسا بما ليس صريحا من نصوص الوحي، كل هذا مع التباين في طبيعة العلاقات الدولية بين الأمس واليوم، يتطلب مراجعة هذا الاصطلاح، واعتماد النظر في المستجدات الطارئة المؤثرة فيه وفي مجال العلاقات الدولية وتصحيحه.