بدت نجوى بن شتوان وكأنها تمزق 29 فصلًا من روايتها (زرايب العبيد) وهي تقول:«لا يوجد التباس، هناك راويان فقط، عتيقة أولاً ثم علي» (صحيفة الرياض)، جوابًا عن سؤال عبدالله الزماي عمّا وصفه بالالتباس في روايتها. يبدو أن تأثير المفاجأة منع الزماي من التوقف عند إجابتها الإشكالية، فانتقل للسؤال التالي، دون أن يستوضح منها عن الصوت الذي لا يرتبط بأي شخصية من الشخصيات في الرواية(disembodied voice )،ويرافق القراء في 29 فصلًا متفرقة. وحتى الفصل الأخير (47) الذي يروي علي جزءًا كبيرًا منه ويتجاذب فيه أطراف الحوار مع عتيقة بن شتوان، يبدأ السرد فيه بصوت ذلك السارد، ويصمت في الفقرة الأخيرة قبل النهاية بسطرين، ليكون صوت علي وهو يهمس لنفسه آخر صوت يسمعه القارئ (350). ما يعني أن الصوت المنفصل يقوم بمهمة السرد في 29 فصلًا وزيادة. صوتُ مَنْ، هذا الذي يسرد بضمير الغائب وليس له وجود في العالم المتخيل في الرواية إذا لم يكن صوت ساردة أخرى؟ إن صورة هذه الساردة التي تتشكل في ذهن القارئ هي صورةُ ساردة تتمتع بامتيازات الساردة العليمة وفق مواضعات التخييل الواقعي، التي تؤسس تميزها عن الساردين (عتيقة وعلي) بحجم معرفتها، وعمقها الناتج عن قدرتها على النفاذ إلى داخل الشخصيات والتواجد في أمكنة عديدة، بالإضافة إلى امتياز التقويم والتعليق والحكم على تصرفاتها.«قال صبي لأمة في أحد هاتيك البيوت: 'هناك رجل كبير يقف بالباب يريدك‘ فاستغربت الأم مجيء رجل إلى بيتهم لا يعرفه ابنها»(7). هذا صوت الساردة العليمة وهي تروي في الفقرة الثانية من الفصل الأول مجيء علي إلى منزل ابنة خاله عتيقة بن شتوان. وهو نفس الصوت الذي ينطق بتفاصيل الخلوات بين أبيها محمد بن شتوان مع أمها الأمَة تعويضة، ويسرد هرب تعويضة بالمولود الذي سمته «مفتاح دقيق»، ويصف مشهد تعذيبها، ويحدث عن تمرد سالم، ويروي ما يحدث لتعويضة عندما تحجز بأمر الشيخ الفقي في «بيت من بيوت باب الله»(286). هل هذه الساردة هي عتيقة بقناع الساردة العليمة؟ أو علي؟ لن أُصْدم بإجابة بن شتوان بالإيجاب!