في فردوس المكتبة الكونية اللامتناهي، ليس هناك ما هو أجمل من أن تقودك الصدفة المحضة لاكتشاف مؤلف وكتاب لم يسبق لك أن سمعت بهما من قبل، فينال الكتاب إعجابك، وربما يغريك بالبحث عن كتب أخرى لذات المؤلف. شخصياً، نعمت بمثل هذه الصدف التي تغمر الروح بالبهجة مرات عدة كان آخرها اكتشافي رواية تركية مترجمة إلى الإنجليزية لشاعر وكاتب تركي اسمه سيزمي إيرسوز Cezmi Ersoz عنوانها (الآثمون الطيبون Kind-Hearted Sinners ). أبرز ما يلفت النظر في هذه الرواية غير التقليدية هو أنها تتخلص من البناء الروائي المألوف بشكل شبه كامل، فليس هناك من أحداث تقع، وليس هناك من حبكة تنسج خيوطها أمام عيني القارئ، وحتى المكان ( وهو هنا مدينة اسطنبول ) لا يحضر إلا حضوراً ضبابياً، فلا تتضح معالمه ولا تظهر ملامحه إلا لماماً. أما شخصيات الرواية فهما اثنان فقط: السارد الذي يمسك بخيط السرد من أول صفحة في الرواية حتى آخر صفحة فيها، وحبيبته ( أو من كانت حبيبته)، وكلاهما يظهران دون أسماء. واللافت للنظر هنا هو أن صوت تلك الحبيبة مغيب تماماً، فهي لا تحضر إلا من خلال حديث السارد عنها أو إليها، ورغم ما يشكله ذلك من تغليب للظن بالوقوع في الرتابة والتكرار واستنفاد القول، إلا أن السارد ينجح في فرض تأثيره على القراء الذين يشبههم ويشبه ذاته . الملمح البارز الآخر هو طغيان النفس الشعري على لغة هذه الرواية أو الرواية - المضادة Anti-novel أو الرواية التجريبية، بصرف النظر عما يمكن أن نطلقه عليها من مسميات أو أوصاف، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الشكل الشعري حاضر فوق صفحات الكتاب وبين فصوله، إذ تنتهي أغلب فصول الكتاب بنص شعري معبر عن روح كل فصل. كما أن الكاتب يعمد لعنونة فصول الرواية بذات الطريقة التي يعنون بها الشعراء قصائدهم أحياناً؛ إذ يجعل من الجملة الأولى من الفقرة الأولى في كل فصل عنواناً لذلك الفصل. توشك أن تكون أغلب فصول الرواية بمثابة الرسائل الاستبطانية التي يوجهها السارد إلى حبيبته، واللافت للنظر هنا هو أن صوت تلك الحبيبة مغيب تماماً، فهي لا تحضر إلا من خلال حديث السارد عنها أو إليها، ورغم ما يشكله ذلك من تغليب للظن بالوقوع في الرتابة والتكرار واستنفاد القول، إلا أن السارد ينجح في فرض تأثيره على القراء الذين يشبههم ويشبه ذاته، في مطلع الرواية، بالسفن الضالة التي لا تستطيع الاقتراب من بعضها بعضاً مهما حاولت وسعت إلى ذلك، رواية جميلة حقاً أتمنى أن تترجم إلى اللغة العربية لنوسع طيف معرفتنا بالأدب التركي المعاصر الذي لا نعرف عنه الكثير.