كلُّ الأشياءِ جليلةٌ وكلها منيرة، كل المخلوقاتِ معجزاتٌ لا تُنسخ ولا تُعاد على الأرض، كل الأشياء خامتها الأولى الحكمة والروعة والبهاء من لدُن إلهٍ عظيم.. كلها من خالق الأكوان، المتصرِّف في المكان والزمان، الرب الخالق المنّان. لذا كان التفاؤلُ نتيجة للجمال والإعجاز، وحقّ الوجودِ على الموجودين. قم بدورك المطلوب منك ليس لتطوير مجتمعك ولا لتطوير العالم، ولكن قم من أجلك ولِذاتك، ولما تطوِّر من أجلك وذاتك فأنت تساهم مباشرةً في تطوير مجتمعِك من حولك والعالم.. وهنا يتحقق التفاؤلُ بقدرتك الممتدة التي تصل إلى آلافَ الأميال لآخر الأرض، وأنت بيدٍ تُقاس بالسنتمترات. أحياناً أشعر بأني أستطيع أن أقدّم ولو شيئا قليلاً جدا لهذا العالم، فأنا رغم صغر شأني أعرف أني مثل أي مخلوقٍ آخر معجزة من معجزاتِ الخلق، دليلٌ على القوة المتناهية الإعجازية الربّانية، فأعود إلى مخلوقاتِ الله وأتلمّس معانيها، وأشعر بأثرِها من جديد، فإذا عناصرُ الطبيعة تعيدُ ترتيب عقلي، وتعيد صياغة مشاعري، وتنفح بي طاقاتٍ جديدة ليومٍ جديد، وعطاءٍ جديد.. وأشعر أني عنصرٌ مع عناصر الكون وأستطيع أن أساهم في هذه الملحمةِ الحياتية وهنا يكون التفاؤلُ قالباً يسَعُني مهما كنت. ألمسُ وردةً وأشعر بحياتها الهشة، ولكني أعرفُ أكثر مما هي تعرف أن أرواحاً عبر العصور كان محفلُها الورود، وأن أجمل ما أنتجه الإنسانُ هو الشِعرُ في التعبير عن خوالجه وخفقات قلبه، وأنّ هذه الورود الهشّة كانت هي الأعمدة المضيئة الضخمة التي حملت هيكلَ اللغة الشعرية البشرية عبر الأحقاب.. أترك الهواءَ يلفني وينزلق عن بشرة وجهي، وأتفهم مغزاه ومعناه، يُعطي بخفاء، ويحرك الحياة مصاغاً بذرَّتيْن التحمتا ليدور الأرضَ وفوق الأرض خفيّا غير مُدرَكٍ ولا ملموس يعطينا وقودَ الحياةِ وراحة الروح.. والتفاؤلُ أنه يعرف أننا نعرف أنه موجود، فعلّمني ألا أقلق حين أعمل بالخفاء، وألاّ أُصِرُّ على السباحةِ في الأضواء.. السباحة تغرقُ في الأضواء، والعملُ يضيءُ في الخفاء. علمتُ أن اللهَ يريدني أن أتعلم.. ومن كل شيء، ولا أقف عن التعلم. وأن كل شيءٍ يعلمني، وهنا التفاؤل أن العالمَ بعناصره يعلمني كل يوم شيئاً من أسرار البقاء..