من الحكاية أفّ! لعنة الله على الذاكرة! ويا لهذا المجهول الذي يلاحق أبناءه! أتخيل أنه لم تكن هناك مصادفة تذكر في خلقنا، لكني أيضاً أفكر أنه لا بدّ أن شيئاً مريراً، مثل الوحدة، كان السبب في وجود هذا العالم على هذا النحو الموغل في الأوجاع والتناقضات والجنون! كلما نظرت إلى الأشكال التي أمكن تصويرها من الكون، فيما وقعت عيناي عليه من الأفلام، أو اللقطات، التي تملأ شاشات التلفزيون والمجلات ومواقع الإنترنت، أشعر بشيءٍ آخر، ليس العظمة، وليس احترام معجزة الخلق المحيرة، ولا السؤال عن الخالق، بل هو الشعور بحجم الوحدة الرهيبة الماثلة في هذه الصور، والتي نحتت هذا الحزن الطافح من الظلمة التي تكسو الفضاء، والتي لا تستطيع الشمس وسائر النجوم أن تواجهها بغير هذا النزر اليسير من النور. أجل هذا الحزن المهول الذي صار مجرّات وكواكب ومدارات، وشهباً تشبه صرخات الهلع، وصار بشراً صغار الحجم، أصغر من الجبال، وأقصر من الطرقات، وأعجز من أن يحتملوا عبء هذه الوحدة الكونية. هذا الحزن الوجودي الشاسع، صار قلوباً بحجم القبضات، وأحلاماً ملونةً، ومواعيد وليالي، وصار أسراراً وحكايات! و«غسان» مثل هذا الوجود، مليءٌ بالأحلام، والمواعيد المخذولة، والليالي مليءٌ بالحزن والوحدة! منام الفاتحة سامحيني.. تدرين أني مشهّبٌ بأصواتٍ تأتي من الغيب، وكتفاي واقفتان على أغنياتٍ ليس لها سبب.. وأفكر في الأشياء البليدة، والكلام الهشّ! هيّا هيّا.. خذيني إلى أفواه الزنابق، فأنا رجلٌ منهكٌ من الأيام التي تحدق في عينيه، أدركيني، وخذي صورتي من أكمامهن وجيوب الحقائب.. احكي لي.. وأغيضيني بنومك الأزرق، ولا تتركيني لقهقهات الخطايا! آآآخ، وأنت يا ربّ الحصون.. فكّر بي؛ أنت تعرف أني مثل صغارك المطبوعين بالفحم والجدران، مثل وعدٍ على كفوفٍ تشبه بعضها، مثل نيزكين ارتطما بشرفةٍ في الضواحي! فكر بي.. فأنا واحدٌ من جندك القساة، وفي جبهتي عصابةٌ من الصيحات والمياه الصريحة) لفافة أنا غاضبٌ جداً.. ولا أريد أن أنتمي للبلدان ولا للأعراق ولا لسماءٍ واحدةٍ ولا لأرضٍ واحدة، أريد أن أكون مخلوقاً من عرق الخيول ومياه الأنهار والسفر.. أكثر ما يشغل بالي الآن هو المطر والنار والرحيل. أريد أن أكبر لأبحث عن لونٍ جديد أخلطه بألوان حياتي، وأغنيةٍ جديدة أؤلفها أو أحفظها، لتساندني عندما أنوي أن أعبر أرضاً إلى أخرى. أريد أن أعيش كي أعدّ أساوري وملابسي البسيطة. أن أكون مشغولاً بالخواتم والقلائد والرقص فقط!