لا تعتقد أن مؤذن القرية أو إمام مسجدها أو التقي المتعبد من عامة الناس هو أفضل فهماً لمبررات الإيمان وإلزاميته تبعاً لإدراك ما تفرضه من حقائق.. أيهما الأقرب إلى فهم المضمون الإعجازي في «وفي أنفسكم أفلا تبصرون».. البسطاء حتى ولو لم يكونوا من العامة هم أكثر طواعية دون شك في بدايات الإيمان لكن نتيجة تسليم عفوي دون تمكن من استيعاب المبررات والضرورات الملزمة.. توارث ممارسة تقليدية لا يقلل ذلك من شأنها فهي إلزامية التواجد عند كل إنسان لكنها غير مدعومة بإدراك معجزات التأكيد والتي لا يدركها إلا من هو على إلمام بالعلم، بالطب، أو حتى أن يكون قد مرّ بتعاقب أمراض فعرف أدواراً في بناء صحته لم يكن يعلم بها من قبل.. «وفي أنفسكم أفلا تبصرون».. داخل جسد الإنسان في دورته الدموية وتعاقب مهمات استخلاص فوائد الغذاء وكذا مهمات استبعاد سلبياته مع حركة قلب لا تهدأ ليلاً أو نهاراً بل لا يوجد مصنع مهما كانت قدرته بوسعه أن يعمل لأكثر من سبعين عاماً دون توقف لدقيقة واحدة، ولو حدث التوقف تم الخروج من الحياة.. إن المدن النووية بما هي عليه من إمكانات علمية مهولة لا تملك دقة وبراعة مهمة إدارة جسد الإنسان.. تدرك أنك ترى بواسطة عينك لكنك لا تدرك كيف أصبحت لرؤيتك ميزات تختلف عن عيون أي كائنات أخرى.. ذات الشيء التنفس.. مذاقات الفم التي تفرز بين عشرات المذاقات وهو ما ليس موجوداً عند الكائنات الأخرى.. ما يماثل ذلك في الأهمية أن الإنسان.. هذا المتباين المستويات في قدرات عقله وقلبه، طموحه وركوده، نجاحاته وفشله، يسره وفقره.. هو الذي عمّر الكون.. نعم.. هو الذي وضع في الكرة الأرضية تطورات موجوداتها المعمارية والزراعية والعلمية والطبية وتصعيد الاختلافات العقلية الحضارية بين سكانها.. تعيش في الأرض كائنات ذات روح وجهد وسطوة قوة.. لكنها لا تملك عقل الإنسان، وبالتالي - وبعضها هو الأقوى - أصبحت الأضعف تحت سيطرة الإنسان.. بالطبع الخالق جل وعلا هو الذي منح الإنسان هذا التميز وقدرات الانفراد في الكون الشامل لكوكب الأرض، مهّد الطرق التقليدية.. ثم السفلتة.. ثم الطيران.. وهو الآن يتطلع إلى كواكب أقرب ويعيش مبارزات مذهلة.. فكلما انتصر على مرض تقليدي وشائع مثل الدسنتاريا والبلهارسيا والحمى والتهابات الأمعاء وانسدادات الشرايين فوجئ بميلاد أمراض جديدة أخطر مثل السرطان والإيدز وانفلونزا الخنازير وقبلها انفلونزا الطيور.. سبحان الله بقدر ما يضاعف مكاسبه العلمية حضارياً بقدر ما تتكرس أمامه تحديات أمراض أخرى.. داخل الإنسان المثقف، العالم.. توجد رحابة إيمانية عظيمة تطوف بذهنه على شواهد معجزات خارقة لم تكن تعلم بها أجيال عصور القرون الماضية.. ويتأمل شواهد الإيمان الإعجازية في دقة تكوينه وفي القوالب الحياتية التي يختلف تواؤمها مع مجموعة عن أخرى.. قد تعيش فوق الأشجار أو داخل البحار أو على الأرض الجرداء أو بين شقوق الأتربة أو ثنايا ترسب المياه..