يستأنس المرء حينما تقع عيناه لأول وهلة على كل ما هو جميل، وهو ايحاء إلهي ألهمه للمخلوق فيما خلق وأبدع من جمال، لأنه جميل يحب الجمال في كل شيء يحويه كونه الواسع، بما فيه من نبات وحيوان وجماد وطبيعة خلابة، ليس في الصورة والهيكل بل في كل ما يختص به كل اولئك من اخلاق وطعم ووداعة وابداع، إذن فالجمال ليس مقصورا على فئة معينة، أي كان فيما أراده البارئ لان الجمال له قيمة وجدانية لذاته، لا لغاية وراءها بل وعمق ايماني للتفكير في صنع الله الذي اتقن كل شيء، أي إن الجمال يتوغل في سيد أعضاء جسم الانسان وهو القلب عندما يكون نقيا من الأذى والحقد والكراهية، بأن صاحبه من اهل الجنة، كما اخبرنا الصادق الأمين نبينا محمد - صلى الله وعليه وسلم - حيث الجمال يرينا نفسه في كل من عرف ربه حق المعرفة، ان كل ما في الحياة جميل وغير ذلك لا يكون بسبب الغفلة عن أمور تزرع الغمة وتنقص من نعمة البحث في جماليات الحياة بشتى أنواعها، كجمال دماثة الاخلاق التي هي من شروط دخول الجنة، وجمال الحياة الذي هو من شعب الايمان، وجمال الروح الذي يهون المصائب، وجمال الجوهر وجمال النفس الذي يسهل المطالب، وجمال العقل الذي يحقق المكاسب المجتمعية، وجمال الاعتذار الذي هو قمة الرقي، وجمال الشكل الذي يسبب المتاعب، وجمال حسنات الناس الذين يستطيعون إخفاء سيئاتهم، وجمال العفة والرأي السديد، وجمال الجد والمثابرة، وجمال الامانة التي اذا فقدت لعدم أدائها في انتظار الساعة، وجمال عدم افشاء عثرات الآخرين واغتيابهم، وجمال العلم الذي يجول للبحث عن الأدب والمعرفة ومواطنها للرفع عن كل مواطن الجهل والظلام وفيه قيل: العلم يرفع بيوتا لا عماد لها والجهل يهدم بيوت العز والشرف ويرى الفيلسوف كروتشي (ان الجمال هو التكوين العقلي الذي يمت الى الصورة الباطنية اكثر منه بالصورة الخارجية) حيث قيل: إن أجمل ما في هذا الكون أن يستقبلك البعض بابتسامة عذبة، تنسيك ما يحيط بك من مآس وخلافات، فإدخال السرور على أخيك له جمال وهذا خير جسيم، وللفيلسوف أفلاطون حكمة تقول (إن الخير هو الجمال)، وهو نوعان جمال حر وهو الذي ننظر فيه الى التكوين الخالص، وجمال مقيد وهو جمال الجسم البشري الذي يفرض نفسه على كل عضو، وكما إن ما تقدم جمال.. أيضا فللبؤس جمال، حيث ان الجمال له مدلولات عدة، منها ان امرأة عجوزا يفيض وجهها بشرا وجمالا سئلت عن أي مواد تجميل تستعملين، فقالت: أستخدم لشفتي الحق، ولصوتي الذكر، ولعيني غض البصر، وليدي احسان، ولقلبي حب الله، ولعقلي الحكمة، ولنفسي الطاعة، ولهواي الإيمان، ولقوامي الاستقامة، لذا فما أجمل الحياة، فيما قيل (ان ترضى عما انت فيه ويرضى العقلاء عما انت فيه). ولعظم الجمال بعد الله إشعاع، فالمرأة في الحياة الزوجية المبنية على المحبة والمودة الحقيقية تستطيع ان ترى الجمال في قلب زوجها، والجمال ليس بالظاهر، بل انه خفي في كيان الانسان الكفيف البصر، الذي يكمن في إجابة الفيلسوف ارسطو، عندما سئل عن تعريف الجمال فقال (دعوه للعميان) أي ان الجمال يكتشف فيه حينما تكون من محاكاة شخص بآخر ليس مبصرا، تجده غاية في المنطق وقمة في الاخلاق بتعامله مع الآخرين النابعة من قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - (الدين المعاملة) وهي جمال في القول الذي به يهيئ لدخول غير المسلمين الى الإسلام الجميل، هكذا علمتني الحياة، إذا علينا أن نجعل الحياة جمالا.