سأبدأ هذا المقال بقصة شعبية تُؤصلُ لمعنى أحد الأمثال المشهورة والمتداولة بين الناس، لعلي أنا، والسادة القراء، نخلص من هذه الحكاية الشعبية إلى قصة اخرى يريد البعض اشغال الناس بها، وغمز قناة المجتمع السعودي والدولة ومؤسساتها الاجتماعية والتربوية بتبعات أفعال أفرادهم فقط المسئولين عن تصرفاتهم. قصة المثل المشهور عجيبة، ونص المثل كما يقوله الناس، «مع مقيط واتلاه رشاه» مقيط اسم رجل، الرشاء هو الحبل الغليظ القوي. اتلاه تبعه أو لحقه، ومختصر القصة ان من يصطادون الصقور في اوكارها التي عادة ما تكون في أعالي الجبال وهي صغيرة أملا في تربيتها وتكييف طباعها يحتاجون للرشاء الذي يربط به الرجل ثم يتدلى بمعونة اخر يمسك بالحبل ويكون غالبا في الأعلى ليحفظ زميله من السقوط. درجت العادة على تصنيف فراخ الصقور بدرجات نخب أول وثاني وثالث، وجرت العادة ان يتم الاتفاق قبل بدء عملية الجلب من العش على تخصيص الحصص، بمعنى ان يكون الفرخ الجيد لاحدهم والاقل جودة للاخر وهكذا، مقيط وهو أحد ممتهني الصيد بهذه الطريقة نزل في حبل بمعونة صياد اخر بعد ان تم الاتفاق ان الفرخ الأجود لصاحب الحبل والذي يليه بالجودة لمن ينزل في الحبل أي مقيط، وعندما بدأ تطبيق العملية وحصل مقيط على الفرخ وهو لا يزال معلقا بين السماء والأرض طلب من صاحبه سحب الحبل وأخبره بانه ينوي تغيير بنود الاتفاق بان يكون نصيبه الفرخ الأفضل، لانه هو الذي تحمل المشقة. تعالى الخلاف بين الرجلين وظهر حمق مقيط في اصراره على تغيير الاتفاق واستشاط الممسك بالحبل غضبًا، وافلت الحبل الذي فيه حياة مقيط فهوى إلى أسفل الجبل، وتبعه بطبيعة الحال الرشاء أو الحبل. وراحت لقطة الختام في هذه القصة مثلا يتداول بين الناس عندما لا يظهرون أي غصة في تخلصهم من الجاهل. ليس لدي القدرة على تتبع الزمن الذي جرت فيه حادثة مقيط، وان كنت اظن انها قديمة ولا تمس عصورنا المتأخرة بصلة قوية، واقصد من ذلك أن وقتنا المتأخر ولله الحمد استنار فيه الناس، وانتشرت فيه وسائل العلم والمعرفة، وتراجعت درجات الأمية الأولية والثقافية إلى حدود كبيرة، ولكن المؤسف ان هناك قصصا وحوادث تخرج لنا من وقتٍ لآخر تجعلنا نقفل اذاننا وافهامنا عن تفاصيلها ونكتفي بلفظة واحدة «مع مقيط» أي لا يجب ان نشغل أنفسنا ومجتمعنا بالغث والتافه من الأخبار. خاصة عندما تتوجه اصابع الاتهام لنظام كامل تقوم عليه حياة مجتمع وبناء دولة ومنظومة بشرية كاملة، وتصبح بعض التصرفات غير المعقولة من البعض أصابع اتهام للناس ومعتقدهم وحياتهم. اسوق كل هذه الافكار مع اهتمام الناس في وسائل التواصل بأخبار بعض السعوديات والسعوديين الذين اختاروا الحياة بعيدا عن الوطن، وعن حضن المجتمع. واختاروا حياة اخرى. لو كان ذلك يتم في حدود التصرفات الفردية وفي ظل الأمور الشخصية فسنكون مجتمعا ودولة وافرادا وشبكات تواصل في مأمن من الصداع والجدل العقيم، وسينتهي الأمر بمفهوم كل نفس بما كسبت. وهذا هو احد اسرار الشفافية والمعاملة الاخلاقية بين الخالق والمخلوق. ولكن الامور لا تسير كذلك دائما حيث نجد من يجاهر بتركه للمعتقد الذي يتبناه الناس، ويحترمونه ويقدسون تعاليمه، وأكثر من ذلك نجد هناك موجة من السباب واختراع المثالب. وتبرؤ مرير من مفاهيم ومعتقدات الملايين. ويتطور الأمر إلى ما هو اسوأ حيث نجد من ينزلق إلى حرب المجتمع والناس والدولة ونظام الحياة بكافة تفصيلاته، وكأن هذا المجتمع يعيش في كوكب لا يعرف عنه أحد من سكان الكرة الارض شيئا. الله سبحانه وتعالى أوجد دينه وبعث رسله، وليس هناك ما يصعب على الناس فهمه في أمور الايمان والتوحيد، ولا في سياسة الدولة وإدارة المجتمع. من أراد ان يعيش حياته في نطاق هذه المسلمات التي يبقى جزء كبير من ممارستها وتطبيقها تطبيق بشر يعتريهم القصور، ولا يفارق عملهم الخطأ أو الزلل فالمكان يتسع للكل، ومن أراد ان يلتحق بمنظومات حياة أخرى فتلك مسألة لها طرقها وليس من هذه الطرق انتقاص معتقدات الناس وتسفيه المجتمعات والتقليل من معنى نظرتهم للحياة. من بقي فلن يفتش احد في سريرته إلا الله، ومن رأى غير ذلك فمع مقيط.