فجع الوسط الفني والثقافي مؤخرا برحيل الفنان التشكيلي المبدع علي سالم الضمادي رائد فن الطرق على النحاس ليس على المستوى المحلي، وإنما حتى على مستوى العالم العربي، وهو الفنان الذي روض هذا الفن الصعب، وأنجز من خلاله عديد الأعمال الفنية المميزة التي لا تزال وستبقى خالدة، لتخلد اسم هذا الفنان الأنموذج الذي اختار ما هو أصعب من فن النحت ليكتب رسالته النادرة، ورغم فرادته في فنه، ومهارته الفذة في فن (التقبيب)، وقدرته على تطويع هذا المعدن الصلب ليستجيب لأزميله ومطرقته، واستنطاقه له عبر جملة من اللوحات ذات التفاصيل الدقيقة التي أخذت منه الكثير من الجهد والعرق والتفكير، إلا أنه ظل بمعزل عن الأضواء، أو الاستعراض، ذلك لأنه الفنان الأصيل الذي يعمل ليرضي ذائقة نابهة في داخله، تدفعه لأن يرسل بوحه إلى لوح النحاس ليأخذ منه ما تحت اللمعان، وما تخفيه قسوته نبضا لعازف، أو روحا لمحتطب، ربما لا تفاجئه هو بتفاصيلها المذهلة، ولكنها حتما ستذهل كل من وقف أمام أعماله المتعددة ليتساءل: كيف تأتى لهذه الأنامل أن تتعامل مع صلابة النحاس كما لو كان طينة خزف ليخرج بهذا المحتوى المكتظ بكل ما هو مدهش. ظل علي الضمادي منذ ما يقارب الخمسين عاما مخلصا لفنه الفريد، ينصرف إلى محترفه كل مساء، ولا يكاد يغادره إلا عندما يستبد به التعب، قال ذات مرة: إنه يخلع مشاغل الدنيا كلها مع حذائه عندما يستهل عمله، لأنه يجد في ألواح النحاس من الرقة وكيمياء التفاعل ما لا يجده في أي شيء آخر حتى الإنسان، وقد بدت هذه الألفة ماثلة للعيان في كافة أعماله التي تكاد تشي فيه وفي أسراره لكثرة ما بث كل منهما همه ولواعجه للآخر، والآن وبعد رحيل هذا الفنان المبدع الذي لم يجد للأسف من التكريم في حياته ما يستحقه بإبداعه فضلا عن ريادته لهذا الفن الصعب، والذي لا يمكن أن يُجالده إلا فنان له قلب بمرتبة عاشق، هل سيتم إنصافه بعد رحيله، ولو باستنساخ أعماله وعرضها في المطارات والمراكز الثقافية تكريما لذكراه؟