قبل أيام، أطلقت وزارة العمل - مشكورة - نداء للقطاع الخاص، تدعوه فيه للتخلص من فايروس جديد بدأ يتفشى بين الشركات، وهو تسريح السعوديين جماعيا، لا ألوم الوزارة حينما تعِدُ بمعاقبة من يتساهل في قطع الأرزاق فهذه عدوى خطيرة جدا خاصة إذا ما استمرت، وإن كانت الوزارة لم تعلن بصورة واضحة إلى الآن ما هو معيار الفصل الجماعي من الفصل غير الجماعي، وكم بلغ عدد المتورطين في هذا العمل؟ وعدد المتضررين منه؟ والأهم من هذا كله من المسؤول في هذه الأزمة؟ وكيف ستتعامل معها الوزارة؟ دعونا نعد قليلا للماضي، فمنذ أن طبقت وزارة العمل برنامج «نطاقات» كتبت وغيري من المهتمين بالشأن الاقتصادي عن النتائج الكارثية التي ستنجم عن البرنامج، تحدثت في مقالات عديدة عن خطأ تقنيع البطالة في وظائف هامشية في الشركات، عن طريق تركيز الوزارة على الكم بدل الكيف، وإهمال الموقع الوظيفي واستقراره والمستقبل المهني للوظيفة وحقيقة اندماج الموظف في الشركة الخ... وخلال السنوات التي كانت تروج فيها الوزارة لنطاقات، لا يمكن أن أُخفي استمتاعي شخصيا بطرق عرض البيانات والإحصاءات حول التوظيف؛ لإقناع الأصوات التي كانت تتكلم عن مساوئ البرنامج، وبخاصة مهارة التنويع بين استخدام نسب أو عدد الملتحقين بالوظائف في حالات ونسب أو أعداد البطالة في حالات أخرى. لنفهم ما حدث بسوق العمل دعونا نبسط العملية في النموذج التالي: وزارة العمل كانت تُرغم الشركات الكبرى على التوظيف بالعدد لاستعياب أكبر قدر من العاطلين، والشركات الكبرى كانت تقبل؛ لأنها تستفيد من جزرة الإنفاق الحكومي. هذا النموذج رغم مساوئه من البداية وتبديده للموارد؛ كونه لا يدعم كفاءة الاقتصاد، إلا أنه ظل يتضخم والتوجه الحكومي الجديد لإبدال النموذج الاقتصادي الريعي باقتصاد المعرفة وتعزيز كفاءة الاقتصاد، وكنتيجة لذلك فإن كثيرا من الشركات الصغيرة والكبرى أصبحت تعاني ضائقة. من الممكن الآن القول بأن الشركات وجدت نفسها أمام توجه جديد نحو تصحيح الاقتصاد والبحث عن الكفاءة، وهي بالتأكيد لن تكون قادرة على المشاركة والاستمرار في كفاءة الاقتصاد، وهي تعاني من عدم الكفاءة في توظيف وإدارة مواردها وخصوصا البشرية. ما حدث بالتأكيد لا يشمل كل الشركات، فبعضها يعمل في أعمال تجارية، ذات هوامش ربحية عالية، أو أنها قرأت ما سيحدث مبكرا وتوقعت المشكلة، مثلها كمثل من توقع انفجار بالونة سوق الأسهم السعودية حينما تضخم بصورة غير منطقية، ونجا من انهياره، وهؤلاء قليل. على أي حال، ليس من المفيد الآن وليس هدفي، للأمانة، نقد صناع برنامج نطاقات ، لكن السؤال المهم ما الدور الذي ستقوم به وزارة العمل لتصحيح حالة السعوديين. هل ستُعيد الوزارة حساباتها وتنتقل من مفهوم الكم إلى الكيف في الشركات الكبرى، وهل تُعيد النظر في تعاملها مع المؤسسات الصغيرة في التحول من مشروعات تعتمد على استفادة موظف حكومي أو خاص من كفالة عامل أو أكثر لزيادة دخلها، إلى مشروعات حقيقية يُديرها سعوديون؟.