بادرت مجموعة «ألف ياء»، لتنظيم فعالية بعنوان «حوايج»، في إحدى حدائق مدينة صفوى، لمدة يومين. الفعالية هدفت لإفساح المجال أمام أبناء المدينة، لبيع السلع المستخدمة التي بحوزتهم، ولا يحتاجونها، لأشخاص قد يرغبون في اقتنائها، طالما هي بحالة جيدة. عملية تدوير جماعية للسلع مثل هذه، ليست فقط مبادرة أهلية جميلة لتنظيم فعالية تستقطب الناس، وتلبي احتياجاتهم، لكنها إشارة جيدة إلى حجم النزعة الاستهلاكية التي باتت تحكم سلوكنا، فعند أغلب أفراد مجتمعنا سلع متكدسة في البيوت، اشتروها لأسباب مختلفة، وربما اشتروا غيرها لاحقاً وتركوها، وهنا تطرح الفعالية عليهم خيار بيعها لمن يمكن أن يستفيد منها. لعلّ دلالة الفعالية تتخطى فكرة التدوير، إلى ترشيد الاستهلاك، حيث نعاني الإقبال على شراء المنتجات والسلع بما يفوق حاجاتنا الأساسية، إذ تمكنت الشركات من إقناع الشريحة الأكبر من أفراد المجتمع باحتياجهم لكل ما يشترونه، وهي استخدمت التطور التكنولوجي، وأغرقت الأسواق بمختلف السلع الزائدة عن الحاجة، وسوَّقت حاجة الناس لها، وصنعت جمهوراً ضخماً من المستهلكين، لا هم لهم سوى الركض وراء كل منتجٍ جديد لشرائه، فالاستهلاك صار نمط حياة بالنسبة لهم، وهم يجمعون المال لشراء منتجاتٍ أكثر، ويتعطشون لمزيدٍ من الاستهلاك. بالنسبة لمستهلكين من هذا النوع، تدور الحياة حول السعي لاقتناء البضائع، وتتحول مفاهيم مثل «السعادة» و«الراحة»، بفعل الدعاية التسويقية للشركات، إلى مفاهيم استهلاكية مادية، تُقاس بالقدرة على امتلاك أكبر عدد من السلع. يلعب التباهي بين الناس دوراً مهماً في تثبيت هذه الثقافة الاستهلاكية، لأن اقتناء سلعٍ أكثر يدل بنظرهم على حياة لائقة، كما أن الرغبة في تقليد المشاهير والأثرياء، والاعتقاد بأن اقتناء السلع يرفع المستوى الاجتماعي للشخص، يسهم في تعضيد النزعة الاستهلاكية. تقوم الشركات بحملات إعلانية لترويج بضائعها، من خلال وسائل الإعلام والمتاجر الكبرى، وهي تستخدم كل الوسائل لجذب المستهلكين وإغرائهم، وإقناعهم بحاجتهم لكل ما يشترونه من أجل تحقيق الرفاهية، وصار التسوّق أحد أهم وسائل الترفيه في مجتمعنا، حيث تقصد الناس الأسواق والمجمعات التجارية، وتشتري البضائع المختلفة، في إطار التسلية والترفيه. الولع بشراء كل ما هو جديد من السلع، دون تقدير الحاجات الحقيقية، وعدم التفريق بين الضروري والكمالي، وتحول استهلاك البضائع إلى محدد للحياة اللائقة، ومعيار تفاضلٍ بين الناس، وأمور أخرى تنتجها حمى الاستهلاك في مجتمعاتنا، يدفع إلى مراجعة سلوكنا وتصوراتنا. ربما تكون فعالية «حوايج»، وما يشابهها من فعاليات، فرصة لمراجعة نمط استهلاكنا، ومحاولة ترشيده.