كانت الزيارة التي قام بها الرئيس اللبناني ميشال عون إلى السعودية والتي تعتبر أول زيارة له خارج البلاد، هي محاولة لاستعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين بعد فترة من الجمود. اعتقد ان الزيارة تنضوي على هدفين رئيسيين: الهدف السياسي، فبالرغم من تحالف الرئيس عون الوثيق مع حزب الله وإيران، إلا أن الرئيس عون يرى ان نجاحه في الرئاسة في الفترة المقبلة، يفرض عليه ضرورة تحسين العلاقة مع السعودية ودول الخليج والتي سوف توفر له قناة مهمة للانفتاح على العالم الخارجي وخاصة علاقتها بالولايات المتحدة وأوروبا في ظل ما تشهده العلاقات الإيرانية - الأمريكية من توتر خاصة مع قدوم الادارة الجديدة. الأمر الثاني هو توفير المظلة العربية، فمن دون مظلة عربية، يستحيل على الرئيس عون أو أي رئيس لبناني أن يمضي عهده بسلاسة، فالتسوية السياسية مع السعودية بما تمثله من ثقل على المستوى العربي والإسلامي سوف تسهم بلا شك في دعم الرئيس عون على المستوى العربي والإسلامي. والأمر الأخير هو الاستقرار الداخلي، فدور المملكة دور محوري في لبنان وسوف تسهم بلا شك في ترسيخ الاستقرار والتوافق الداخلي في بلد لطالما عرف بالاستقطابات السياسية بين مكوناته سواء على المستوى الطائفي أو الاثني أو على المستوى المصلحي. الهدف الاقتصادي، اعتقد ان تدهور العلاقات بين لبنان والسعودية وباقي دول الخليج خلال العامين الماضيين أثر تأثيرا كبيرا على الوضع الاقتصادي في لبنان، فالاستثمارات اللبنانية في دول الخليج تقدر بأكثر من مائة مليار دولار، وتمثل الاستثمارات الخليجية في لبنان نحو 85% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد. بالاضافة الى ان الجالية اللبنانية التي تعمل في دول الخليج تقدر بنحو 750 ألف شخص، وهم نصف مليون لبناني في السعودية وعشرات الآلاف في بقية دول المجلس، يحولون سنوياً قرابة 4 مليارات دولار. ويذكر أن 50% من العائلات اللبنانية تعتمد كليا أو جزئيا على هذه التحويلات. وبحسب تقديرات مصرفية فان قيمة موجودات الخليجيين في المصارف اللبنانية تقدر بنحو عشرين مليار دولار. وبالتالي فاستقرار لبنان الاقتصادي مرتبط ارتباطا اساسيا بدول الخليج. اما بخصوص النتائج المتوقعة لهذه الزيارة، ربما تشهد العلاقات شيئا من الانفراجة غير أنها تبقى معرضة للعديد من التحديات، وخاصة فيما يتعلق بسياسة حزب الله الخارجية سواء في الأزمة السورية أو اليمن أو عملياته الأمنية التي تستهدف دول الخليج، لا سيما ان الإعلان عن الزيارة جاء بالتزامن مع إحياء حزب الله لمناسبة إعدام الارهابي السعودي، نمر النمر، والذي وصفه نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، بأنه «علم من أعلام الجهاد في الجزيرة العربية». وبالتالي التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس عون في مرحلة ما بعد الزيارة، يتمثل في قدرته في اقناع حزب الله بتجنيب لبنان والمجتمع اللبناني مزيدا من التوترات والأزمات في علاقاته مع العالم العربي ودول الخليج. الا ان المستقرئ للحالة اللبنانية يرى ان التحول الذي سوف يشهده الموقف اللبناني، هو تحول مرحلي فرضته الظروف التي مرت بلبنان خلال السنتين الماضيتين، وهو ما جعل إيران وحزب الله والموالين لإيران في لبنان، تقديم بعض التنازلات في بعض الملفات وليس لأن لبنان اصبح مستقلا في قراره السياسي. لان الأزمة اللبنانية كما ذكرت في مقالات عديدة ازمة عميقة تكمن في بنية النظام نفسه والذي يعاني من الطائفية السياسية التي كرسها دستور 1926، الترهل المؤسساتي وخاصة المؤسسات الأمنية بسبب بروز انتماءات وولاءات الى هويات (ما دون الدولة)، ولاءات إما طائفية أو عشائرية والتي تقوم مؤسساتيا مقام الدولة مما أدى الى تقويض واضعاف مؤسسات الدولة. واخيرا فبسبب ضعف الدولة أدى ذلك إلى اتاحة المجال امام التدخل الخارجي مما أدّى إلى تقييد أي ردع من قبل الدولة وبالتالي شل مؤسساتها.