كشف مختصان في الشؤون الدولية أن وقف المساعدات العسكرية السعودية للبنان وفرض عقوبات على أفراد ومؤسسات، لا يقصد به المجتمع اللبناني والجناح السياسي المعتدل، وإنما الميليشيات التي صادرت إرادة لبنان السياسية، وأخرجته من سياقه العربي، مشيرَين إلى أن إعادة العلاقة بين السعودية ولبنان مرتبط بسياسية المملكة وما تقدمه لبنان حيال ذلك. وأوضح مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في جدة أنور عشقي ل«الحياة» أن «المملكة لا تريد معاقبة الشعب اللبناني، وتداعيات الأحداث تؤكد ذلك، لكن القرارات الأخيرة جاءت لمعاقبة حزب الله، وذلك لما يقوم به من أعمال عدائية ضد المملكة والدول العربية، إضافة إلى تدخله في شؤون الدول ومحاولة زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط». وأضاف أن «لبنان مختطفة، ويجب عليها أن تحرر نفسها أولاً؛ لتكون صديقة أكثر للمملكة، كما يجب على الشعب اللبناني تحرير دولتهم من هذه التدخلات والعمليات العدائية التي تسيء لهم»، مؤكداً أن «عودة الأوضاع كما كانت سابقاً والمساعدات مرهون بسياسة المملكة وما تقدمه لبنان حيال ذلك». بدوره، قال المحلل السياسي الخبير في العلاقات الدولية الدكتور إبراهيم العثيمين: «إن الإجراءات السعودية المتخذة أخيراً كانت نتيجة تجاوزات حزب الله»، مشيراً إلى استغلال الحزب المهمين على لبنان لثلاث أزمات بنيوية يعاني منها النظام اللبناني. وأوضح العثيمين ل«الحياة» أن «تضخم حزب الله وتمددّه وهيمنته على مفاصل الدولة، وقيامة بأعمال تتعارض بشكل صريح مع مصالح دولته المنتمي لها سياسياً، بتدخله في شؤون المنطقة، سواءً ما شاهدناه أخيراً من تدريب عناصر الحوثي في اليمن، أم التدخل المباشر للقتال في سورية لإنقاذ النظام ودعمه في قتل شعبه وتهجيره، أم خروجه عن الإجماع العربي والتي تصب كلها في مصلحة إيران المنتمي له أيديولوجياً، تعكس بوضوح استغلال الحزب لثلاث أزمات بنيوية يعاني منها النظام اللبناني». وأبان الخبير في العلاقات الدولية أن «الأزمات التي استغلها الحزب هي: الطائفية السياسية، التي أوصلت المجتمع والنظام إلى حال من التصدع والترنح وعدم قدرته على الاستقرار ويطلق عليها في علم السياسة (حال منخفضة من الصراع اليومي). إضافة إلى الترهل المؤسساتي، فالوصول إلى رأس الهرم السياسي باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 2005، ورأس الهرم الأمني باغتيال اللواء وسام الحسن رئيس فرع المعلومات لقوى الأمن الداخلي في 2012 من دون رادع حقيقي يعكس بوضوح الترهل المؤسساتي، وعدم قدرة النظام اللبناني على فرض قراره بالقوة. وهذا الحال من الترهل في مؤسسات الدولة اللبنانية السياسية منها والأمنية أدت إلى انعدام ثقة المجتمع بالدولة وسلطاتها، ومن ثم بروز انتماءات وولاءات إلى هويات (ما دون الدولة)، ولاءات إما طائفية أو عشائرية، والتي تقوم مؤسساتياً مقام الدولة، مما أدى إلى تقوض وإضعاف مؤسسات الدولة. فحزب الله بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، لم يعد مجرد حزب ضمن الأحزاب اللبنانية الأخرى، بل تحول إلى دولة داخل الدولة باستقلال كامل للموارد والسلاح والتنظيم، وذلك نتيجة ضعف الدولة وعدم قدرتها على الضغط على المصالح المادية للحزب أولاً، وعلاقاته التحالفية مع إيران وسورية ثانياً». وقال المحلل السياسي: «إن الأزمة الثالثة تتمثل في مشكلة الارتهان إلى الخارج. فإن كانت ثورة الأرز أنهت رسمياً الوجود العسكري السوري في لبنان الذي استمر ل30 عاماً، من 1976 إلى 2005، إلا أن وجود حزب الله الذراع العسكرية لسورية وإيران أبقى لهذين النظامين اليد الطولى في لبنان.