إحدى الخسارات المريرة التي يصعب على أحدنا تقبلها هي خسارة مشروع بذلنا فيه جهدا غاليا لإنجاحه.. هذا المجهود كلفته عاطفية وفكرية ووقتية.. وهي كلفة قد تكون باهظة لا أحد يمكن ان يقدر ثمنها سواك.. ما أتحدث عنه ليس تلك المشاريع المادية التي تحتاج إلى قاعدة من البناء المادي يقف عليها المشروع الاستثماري ايا كان نوعه، المقصود هنا مشروعك المعنوي الذي يقف على أرضية أحلامك ويتخذ من عواطفك أعمدة يرتفع بها.. هذا المشروع الذي قد يكون متمثلا في نجاح دراسي أو وظيفي أو اجتماعي أو حتى عاطفي وغيرها من «مشاريع الحياة» التي تتهيكل في حياة الأفراد بحسب ذائقتهم وعقولهم وأهدافهم وخياراتهم.. عموما ما يجب التذكير به أن أكثر النجاحات الساحقة في حياة الدول والأفراد كانت وليدة معاناة مريرة أو فشل ذريع، وهذا هو «عزاء الفشل».. إن أحد مقومات النجاح الجديد أن يقام أحيانا على أنقاض الفشل ومواجهة الذات بموضوعية وعقلانية، وعدم لوم الظروف والأقدار وتعليق الهزائم عليها.. لا أعلم بالتحديد من هم الأشخاص القادرون على الاعتراف بأخطائهم ومواجهة فشلهم بصدق وتحليل عميق «بعيدا عن التأثر بفكرة المؤامرة والمحسوبية».. هل هم الأذكياء، أم الشجعان الصادقون مع ذواتهم أم هم خليط من هذا وذاك؟.. ما أعرفه ان هذا النمط من الشخصيات - بلا شك- يتمتع بدرجة معينة من الذكاء واللياقة النفسية والقدرة على انتزاع الأمل والمتعة من الحياة.. عموما مواجهة الفشل بشجاعة والاعتراف بالهزيمة بدون تبرير أسبابها بالآخرين وتعليق اللوم عليهم، إحدى الصفات النادرة، لأن الناس بطبعهم ميالون لإلباس الخطأ بغيرهم وليس أنفسهم والناس يتفاوتون في درجة التجني وتقييم الأمور بحق وبعدالة مع النفس والآخرين.. إذا خذلتك مشاريع الحياة فلا تخذل نفسك معها.. إذا خذلك الأحباب أو الأصدقاء أو الظروف فلا تنهزم، ولا تفتح بابا للعتب أو اللوم أو النوح.. لا تفرط في تحليل المواقف والنوايا و«لا تحنق».. ارحل في صمت متوشحا بالنبل لمكان آخر يليق بك.. تأكد أن الأمنيات التي لم تتحقق في ذروة الشغف عليها تعود مرة أخرى في حياتنا بشكل آخر وبصورة أكثر جمالا ومتعة حينها ندرك لماذا أخر القدر أجمل أمانينا.. هناك من يستمر في محاولة إنعاش أحلامه التي تحتضر، في خطوة يائسة لإنقاذها، رافضا تقبل موتها.. هذا النوع من الأشخاص يشبه أولئك الذين يتحدثون مع جثث موتاهم في لحظات صدمة الفراق «موجع هذا الموقف» وقليلون هم القادرون على تجاوز هذا النوع من النكسات العاطفية والأزمات التي تكون على غرارها.. أخيرا: هناك حزن أنيق لا يقبل ان تنزف جراحه الا على ورق أو على وسادته الليلية المتدثرة بالظلام.. وهناك أحزان أبية لا تقبل الا ان تكون نقوشا متوسمة في أحلام جديدة أكثر بريقا ونجاحا من سابقتها..