برزت مؤخرا فرضية «اقتصاد المناخ الجديد» بوصفها مبادرة دولية تركز على الكيفية التي يمكن للبلدان من خلالها تحقيق النمو الاقتصادي مع الحد من مخاطر تغير المناخ. وأوضحت تلك المبادرة في تقرير أخير أصدرته تحت عنوان «البنية التحتية المستدامة أمر حتمي»، أن البنية التحتية الحالية مسؤولة عن 60% من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في العالم. وتوقع التقرير أن يبلغ حجم الاستثمار على البني التحتية 90 مليار جنيه إسترليني خلال ال15 سنة المقبلة، وأن يشكل الإنفاق على جهود مكافحة تغير المناخ والنمو الاقتصادي 28% منها. فرضيات مرعبة مع اتساع نطاق التغيرات المناخية في العالم، برزت أفكار الاستثمار في الطاقة النظيفة كخيار يسهم في تقليص الأضرار البيئية والاقتصادية التي تتسبب فيها تلك التغيرات، بما يساعد في وضع الاقتصاد العالمي على مسار الاستقرار المناخي. الخيارات الاقتصادية المعاصرة تواكب ظهور مبادئ ما بات يعرف باقتصاد المناخ الجديد الذي يتطلب تأسيس بنية تحتية خضراء يمكنها أن تعمل على تحفيز النمو الاقتصادي، وامتصاص الأضرار التي نتجت عن التغير المناخي. وكان المستشار الدولي في مجالي الطاقة والمناخ الباحث الفرنسي جان مارك جانكوفيتشي طرح فرضية مقلقة في سياق حديث له عن تغير المناخ بقوله: «تخيلوا عالما يموت فيه 30% من سكان الأرض بحلول سنة 2089 بسبب الأمراض، ويصبح نصف اليابسة صحراء مع حلول سنة 2080، وتختفي فيه التيارات المائية الدافئة من المحيط الأطلسي». وأكد جانكوفيتشي أن كل هذه الفرضيات المرعبة أصبحت واردة جدا بسبب تزايد نسق ارتفاع حرارة الأرض، ولكن رغم وضوح هذه الظاهرة، فإن علماء الاقتصاد ليس بإمكانهم في الوقت الحاضر حصر التكلفة المادية لهذه المشكلة. إعادة هيكلة الاقتصاد وتشير توقعات الى تراجع متوسط الدخل العالمي بنسبة 23% بحلول نهاية القرن بسبب تغير المناخ، كما أن تأثر دول العالم بارتفاع درجات الحرارة سيتفاوت بدرجة واضحة بين روسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. ويرى سولمون هسيانغ الأستاذ بكلية غولدمان للسياسة العامة في بيركلي بولاية كاليفورنيا، وأحد الباحثين الذين وثقوا الأثر التاريخي للاحترار العالمي حتى العام 2050، إن التأثير المتفاوت لارتفاع درجات الحرارة يعني إعادة هيكلة واسعة النطاق للاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى الاختلاف اللافت للانتباه في ما يتعلق بالمصائر الاقتصادية للدول، خاصة وأن الدول الفقيرة سوف تشهد ارتفاعا أكبر في درجات الحرارة، ومن المتوقع ازدياد نسبة الفقراء في العالم من 60 إلى 70% بحلول نهاية هذا القرن. خسائر الاحترار العالمي وتكشف تقارير البنك الدولي كثيرا من التفاصيل السلبية حول الخسائر السنوية الناجمة عن الكوارث الطبيعية بسبب ظاهرة الاحترار العالمي، حيث أظهرت أن هذه الخسائر ارتفعت من 50 مليار دولار خلال الثمانينيات من القرن الماضي، إلى نحو 200 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة، فضلا عن أن ذلك سيؤثر حتما على حياة ملايين الناس، نتيجة غرق بعض مناطقهم، وفقدان المحاصيل. ولا يتوقف الأثر السلبي لتلك الأزمات على قطاع الزراعة فحسب، وإنما يشمل أيضا قطاعات عدة لن تكون في مأمن، وأبرز القطاعات المهددة بسبب الاحتباس الحراري وتغير المناخ، هي: صناعات الطاقة، المياه، البنية التحتية المخصصة للنقل، السياحة، الصحة وقطاع التأمين. استثمارات الطاقة المتجددة ويعزز تقرير مبادرة «اقتصاد المناخ الجديد» من تلك الرؤية السلبية بما توصل اليه من إحصاءات تكشف عن توقعات بأن يعيش ما يقرب من ثلثي العالم في المدن بحلول عام 2050، وهو الأمر الذي يسلط الضوء على أهمية أن تكون البنية التحتية الحضرية صديقة للبيئة، وهو ما يتطلب تعاون الحكومات المحلية والقطاع الخاص للعمل على تخفيف حدة تغيرات المناخ، مؤكدا أن تأجيل تلك الخطوات قد يجعل تحقيق أهداف تخفيف انبعاثات الكربون أمرا مستحيلا. وكان العام الماضي عاما مميزا للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، حيث أشارت وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق من العام إلى أن الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة بلغت 313 مليار دولار وهو ما شكل حوالي خمس إجمالي الاستثمارات في قطاع الطاقة في عام 2015، لتصبح الطاقة المتجددة أكبر مصدر للاستثمارات في الطاقة. تخفيض التمويل وتراجعت الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة بنسبة 43% على أساس خلال الربع الثالث من العام، حسب تقرير ل«بلومبيرج»، مع أقل حجم إنفاق منذ الربع الأول في عام 2013، وذلك بسبب اتجاه الحكومات إلى تخفيض حجم التمويل اللازم لمحطات الطاقة الشمسية ومزارع الرياح مع انخفاض أسعار النفط. بينما برزت الصين العام الماضي كأكبر مستثمر في مجال الطاقة الشمسية وكذلك أكبر مستثمر في تكنولوجيا الرياح، حيث بلغ إجمالي استثماراتها في الطاقة المتجددة حوالي 103 مليارات دولار أو 36% من الإجمالي العالمي.