وأنا أحزم حقائبي مغادرا أرض الطهر والنقاء المملكة العربية السعودية مهبط الوحي بعد رحلة طويلة في ربوع هذه الارض الطيبة امتدت الى 38 عاما، قضيت منها 30 عاما وانا اواصل الركض الصحفي في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة السعودية، حيث اجبرتني الظروف لكي احزم حقائبي في رحلة العودة الطوعية الى وطن الجدود سوداننا الحبيب، ولا بد لي قبل ان أمتطي صهوة الطائر الميمون من ان استرجع الشريط الطويل عبر مسيرتي في الصحافة السعودية، والتي كانت نقطة الانطلاق فيها عبر هذه المطبوعة الانيقة التي لا تعرف التثاؤب جريدة «اليوم» الغراء مع استاذ الجيل الراحل صديق جمال الليل ككاتب مقال، ومن ثم تواصلت الرحلة مع الاستاذ عبدالله العتيبي ومرورا بالاستاذ عبدالله فرحة، لتبدأ المسيرة الفعلية في جريدة «اليوم» اعتبارا من العام الميلادي 1990 تحت رئاسة الدكتور مبارك الدوسري رئيس القسم الرياضي في ذلك الوقت، والذي كانت له اليد الطولى في فتح ابواب العمل لشخصي الضعيف في الجريدة كمحرر رسمي في المطبوعة استمرت لثماني سنوات حتى العام الميلادي 1997، زاملت فيها الزملاء وليد الفراج ومرشد الخالدي وحسين كاظم ومحمد الغدير ومحمد حسن الدوسري واحمد صالح والمصور احمد المنهراوي، والواعد مروان العقيل الذي كان في بداياته في تلك الفترة، وقد كانت تلك الفترة من اعظم الفترات في حياتي الصحفية، حيث كنا نشكل فريق عمل رائعا في منظومة متكاملة شكلت نسيجا رائعا في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة السعودية، والحق اقول: ان الفترة التي قضيتها في صحيفة «اليوم» عبر قسمها الرياضي قد عرفتني بالناس وصنعت لي اسما بحكم انها جريدة المنطقة وتدخل الى كل البيوت بلا استئذان، وبعد اليوم كانت صحيفة «الرياضي» محطتي الثانية تحت قيادة الدكتور مبارك الدوسري ايضا، قضيت فيها عامين اضفت فيهما الى حصيلتي جزئية الشمولية، حيث كان العمل في «الرياضي» شاملا لكل ضروب العمل الصحفي رياضة وفن وادب واجتماع وثقافة، ومن «الرياضي» استقر بي المقام في جريدة «الندوة» الحبيبة الى نفسي، حيث عملت كمدير للشؤون الرياضية في مكتب الشرقية لفترة وصلت الى ثلاثة عشر عاما متواصلة، ولم أترجل عن صهوة جوادي منها الا عندما اغلقت الجريدة في العام الهجري 1433، بعدها كانت صاحبة الفخامة «الرياضة» السعودية محطتي الاخيرة في الصحف الورقية طرف الاستاذ فواز الشريف ليستقر بي المقام في صحيفة «سبورت السعودية» الاليكترونية، التي ما زلت انضوي تحت لوائها. ¿ والمسيرة الصحفية في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة السعودية تخللتها العديد من المواقف الطريفة والمحرجة، ومن الاشياء التي لا تزال عالقة بذهني حوار اجريته مع معالي الشيخ فيصل الشهيل الاب الروحي لكل الرياضيين في المنطقة الشرقية، في مكتبه العامر في السكة الحديد، وقد اكملت حواري معه عبر جهاز التسجيل الذي كنت اضعه امامه، وبعد ان انصرفت من مكتبه ذهبت الى مكتب الجريدة في حي البادية آنذاك، وعندما هممت بتفريغ الحوار من جهاز التسجيل وجدت ان الجهاز لم يسجل اي كلمة من الحوار، وكنت أثناء حديث معالي الشيخ مركزا بعض الشيء على عدد من المحاور التي طرحتها عليه على هامش الحوار، وبالفعل قمت بتبييض الحوار على حسب المعلومات التي استقيتها من معاليه استماعا، وفي صبيحة اليوم التالي نشر الحوار وكان له صدى في الشارع الرياضي، ولكنني عند وصولي للجريدة قال لي الدكتور مبارك الدوسري: ان معالي الشيخ فيصل يطلبك على جناح السرعة، ويبدو انك عامل عملة فزاد توجسي وذهبت على وجه السرعة الى مكتب معاليه، وعند دخولي فاجأني ابو منصور بقوله ان الحوار الذي نشر اليوم ليس هو الحوار الذي اجريناه بالامس، فقلت لمعاليه هل هنالك تغيرات اخلت بلب الموضوع ام ماذا؟ فشدد على ان الحوار مختلف بعض الشيء، فقلت له: انني عندما ذهبت الى الجريدة فوجئت بأن جهاز التسجيل لم يسجل الحوار وعندما علم معاليه بأنني قد كتبت الحوار حسب تركيزي معه بجزئية الاستماع كبرت في نظره، ومن يومها وعلاقتي بأبي منصور لم تنقطع حتى يومنا هذا، فالرجل كان بالنسبة لنا الاب والمعلم والمرشد والموجه ولن ننسى وقفاته واياديه البيضاء، واخيرا لا بد لي من ان اقدم شكري لكل الرياضيين في الشرقية في اندية الاتفاق والقادسية والنهضة، وهي الاندية التي عملت فيها كمنسق اعلامي والشكر لاخوتنا في نادي الخليج ولكل مديري الملاعب الرياضية، الذين تعاملت معهم في مدينة الامير محمد بن فهد في الدمام ومدينة الامير سعود بن جلوي الرياضية، وكذلك مدينة الامير نايف الرياضية في القطيف، حيث وجدنا منهم كل تعاون. وتحية خاصة مقرونة بكل آيات الود والتقدير والاحترام لاخوتي الاعلاميين الرياضيين في المنطقة الشرقية، الذين أخجلوا تواضعي بحفلهم التكريمي لشخصي الضعيف، الذي خرج في ذلك الثوب القشيب، فلساني يعجز عن الشكر لهم وللدكتور جاسم الياقوت الذي ترأس لجنة التكريم. وأتمنى صادقا ان تتاح لي الفرصة لرد الجميل لهؤلاء الرجال ان قدر لهم زيارتنا في وطنهم الثاني السودان، مرة اخيرة بعد الاخيرة،، شكرا لكم جميعا اهلي السعوديين، فقد عشت بين ظهرانيكم اجمل سنوات العمر، وستبقى محفورة في ذاكرتي الى ان يرث الله الارض بمَنْ عليها.