عقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية، يوم الخميس الماضي، برئاسة خادم الحرمين الشريفين، أُقرّ خلالها ميزانية العام 2016م، وكذلك موازنة 2017م، وتضمن ذلك انخفاض العجز المتوقع لعام 2016م من 326 مليار ريال إلى 297 مليار ريال، وإيرادات قدرها 528 مليار ريال، بزيادة عمّا هو متوقع بنسبة 2.7٪، وكذلك مصروفات قدرها 825 مليار ريال بانخفاض عما هو متوقع بنسبة 1.8٪، كما تضمنت موازنة العام القادم 2017م إيرادات قدرها 692 مليار ريال، بنسبة نمو قدرها 31٪، وكذلك مصروفات قدرها 890 مليار ريال مما سيولّد عجزا اكتواريا قدره 198 مليار ريال بانخفاض قدره 33٪ من عجز العام الذي يسبقه. وتميزت ميزانية هذا العام بطريقة عرض أكثر شفافية ودقة، والانضباط بدأ من حديث خادم الحرمين الشريفين وانتهاء بالمؤتمر الصحفي الذي عقده معالي الوزراء، كما اتسم عرض الميزانية بالتخطيط، حيث ولأول مرة يتم مناقشة الميزانية ووضع تصورات لميزانيات الأعوام الأربعة القادمة لتحقيق التوازن المالي عام 2020م. ومنذ عصر يوم الخميس الماضي إلى الآن ولا حديث يعلو على حديث الميزانية السعودية، سواء على صفحات الإعلام المقروء أو في شاشات الإعلام المرئي أو عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ماذا يهمنا في هذه الميزانية وهل هناك ما يدعو للتفاؤل أم لا؟ وعليه، سأوضح بعض النقاط التي يجب التركيز عليها في هذه الميزانية أو في أي ميزانية قادمة لما لذلك من أثر على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، ويمكن من إيجابية تلك النقاط أو سلبيتها نستطيع إما أن نتوشح التفاؤل أو نتغمغم بالتشاؤم.. ومن أهم تلك النقاط: أولا: انحسار العجز.. يجب التوضيح أن العجز لا يعتبر خسارة بل هو الفارق بين الإيرادات والمصروفات، ولا يعتبر كل عجز عجزا، فالعجز الذي لا يقابله احتياطيات قد يتسبب في خسائر وإفلاس وانكشافات مالية، ولكن بفضل الله تمتلك المملكة احتياطيات ضخمة جدا تتجاوز 2 تريليون ريال تم ادخارها عبر سنوات طويلة وبإمكانها تغطية أي عجوزات، وإذا ما أردنا أن نتأكد أننا نسير في الطريق الصحيح فيجب أن يكون مسار العجز في انخفاض وانحسار، وهذا ما هو واقع بالفعل، فالعجز عام 2015م كان 367 مليار ريال، وأصبح 297 مليار ريال في عام 2016م، ويتوقع أن ينخفض العجز عام 2017م ليصل إلى 198 مليار ريال، ومن ثم سيهبط العجز ليصبح 39 مليار ريال فقط عام 2018م ليتحوّل إلى فائض بإذن الله عام 2019م قدره 20 مليار ريال، و119 مليار ريال عام 2020م وذلك ما سيتجاوز معايير التوازن المالي بشكل إيجابي بإذن الله من خلال السيناريو الأساسي (Base) الذي تم وضعه. ثانيا: الإيرادات.. كما يعلم الجميع أن المملكة تتمتع وعلى مرّ العصور بإيرادات نفطية عالية؛ بسبب إنتاجها العالي ومخزونها الكبير من النفط، ولكن دائماً ما تتأثر إيرادات النفط وبشكل كبير بأسعاره العالمية والتي تتحكم بها الدواعي الأمنية والسياسية، لذا كان من الواجب التركيز أكثر على الإيرادات غير النفطية وزيادة نموها سنة فسنة، وهذا ما تم بالفعل مما يضمن استقراراً أكبر لاقتصاد المملكة، ففي عام 2015م بلغت الإيرادات غير النفطية 166 مليار ريال، وفي هذا العام 2016م قفزت تلك الإيرادات لمستوى 199 مليار ريال، وفي العام القادم 2017م بإذن الله ستصل إلى 212 مليار ريال، حتى تصل في عام 2020م إلى 46% من إجمالي الإيرادات بقيمة 530 مليار ريال بفضل الله أولا ثم بفضل الاستثمارات الرأسمالية والصناعية التي تنتجها حكومة المملكة. ثالثا: توجهات الإنفاق.. زيادة إنفاق الدولة في كل سنة أمر إيجابي يدعم الاقتصاد بشكل عام والاستثمار بالمملكة بشكل خاص ولكن وجهات هذا الإنفاق هي الأمر الأكثر أهمية، لذا نلاحظ خلال السنوات الأخيرة أن وزارتي التعليم والصحة دائما ما يتحصلّان على نصيب الأسد في أي ميزانية حيث بلغت ميزانية وزارة التعليم هذا العام 200 مليار ريال بنسبة تقترب من ربع الميزانية فيما بلغت ميزانية الصحة والتنمية الاجتماعية 120 مليار ريال، وهما أمران أكثر ما يمكن أن يحتاجه المواطن السعودي لحاضره ومستقبله. رابعا: نسبة الدين.. بلغت نسبة دين المملكة العربية السعودية بالنسبة للناتج المحلي 13% وتعتبر تلك النسبة منخفظة جداً عالمياً، حيث بلغت نسبة الدين في اليابان 250% وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية 105% وفي بريطانيا 91% وفي ألمانيا 68%، وهذا ما يصحّح مفهوم نسبة الدين بالمملكة ويدعم النظرات الإيجابية للتصنيفات الائتمانية دوليا. الخلاصة.. يجب أن تؤخذ كل تلك الأمور في الاعتبار عند تقييمنا لأي ميزانية، ولنثق تماما أن إيجابية تلك المؤشرات هي من تعزز الاطمئنان والتفاؤل. دمتم بخير...