أسدل الستار يوم الخميس الماضي على ميزانية المملكة العربية السعودية أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط لعام 2017 ميلادي، وقدرت النفقات بحوالي 890 مليار ريال وهي أعلى بنسبة 8% من حجم الإنفاق للسنة التي قبلها أي 2016 م والتي بلغت 825 مليار ريال، وهذا مؤشر على استمرارية النمو الاقتصادي في البلد والذي توقع له صندوق النقد الدولي نموا بنسبة 2% لعام 2017م مقارنة بنمو 1.2% لعام 2016م، وهذا من أهم المؤشرات الاقتصادية المستقبلية، فبالرغم من الضائقة المالية التي تمر فيها البلاد والأحوال الاقتصادية العالمية المتردية إلا أن الاقتصاد السعودي الذي يعتمد كثيرًا على إيرادات النفط بالدرجة الأولى، ومع انخفاض أسعار النفط إلا أن المملكة تحاول جاهدة تطوير الاقتصاد وتحقيق النمو الذي يضمن تطوير المرافق العامة والمحافظة على رفاهية المواطن والمستوى المعيشي المرتفع للمواطنين مقارنة بالدول الأخرى. ومن المؤشرات الإيجابية لميزانية 2017م انخفاض العجز المالي إلى 198 مليار ريال مقارنة بعجز كان يقدر ب297 مليار ريال أي بانخفاض ما يقارب 100 مليار ريال رغم زيادة الإنفاق، وهذا يدل على ان الإجراءات الحكومية المتخذة تسير بالطريق الصحيح. إن أهم التحديات التي تواجه الحكومة السعودية في الأعوام القادمة هي المحافظة على نمو لا يقل عن 3% والمحافظة على دين عام لا يزيد على 10% من الناتج المحلي، والمحاولة على تسديده بالأعوام القادمة والتقليل من الاعتماد على الموارد الطبيعية غير المتجددة ومن أهمها البترول، وإنشاء البنية التحتية لمصادر الطاقة المتجددة سواء الهوائية أو الذرية، حيث إن الخطط الموجودة الآن تعتبر متواضعة جدا ولا تفي بمتطلبات العصر وزيادة الطلب على الطاقة سواء داخليا أو دوليا، وكذلك التقليل من الاعتماد على الأيدي العاملة الأجنبية، وتقليص الحوالات المالية وخلق الفرص الوظيفية للمواطنين وإحلالهم مكان الأيدي الأجنبية خصوصا في المهن المتوسطة وذلك باعتماد برامج تعليمية تتناسب مع احتياجات سوق العمل الحالي والمستقبلي والذي يعتمد كثيرا على التقنية والاتصالات وتجارة التجزئة. ومن أهم التحديات التي تواجهها الحكومة السعودية هي قلب معادلة الايرادات بحيث تكون النسبة الأكبر لايرادات الدولة تأتي من الموارد غير النفطية، حيث إن الأرقام تقول إن الايرادات غير النفطية عام 2015م كانت 166 مليار ريال، وفي عام 2016م زادت إلى 199 مليار ريال، وفي سنة 2017 م يتوقع أن تصل إلى 212 مليار ريال، وهو ما يشكل ما يقارب من 23% من الميزانية، ولا شك أن هذه النسبة مازالت قليلة والمطلوب الوصول بهذه الإيرادات إلى أن تشكل 75% من إيرادات الدولة خلال ال15 سنة القادمة؛ لضمان واستمرار التنمية المستدامة للأجيال القادمة. ومع ذلك يبقى البترول مصدرًا مهمًا جدا لإيرادات الدولة وما يميز الخطط الطموحة في برنامج التحول الوطني انه وضع لأسعار البترول أرقامًا أعتقد أنها متحفظة جدا لمستقبل الوضع المالي والاقتصادي، حيث ذكرت الأرقام أن الأسعار المتوقعة لمتوسط أسعار البترول: لسنة 2017م ما بين 49 إلى 55 دولارا للبرميل. وسنة 2018م ما بين 52 إلى 61 دولارا للبرميل. وسنة 2019م ما بين 55 إلى 65 دولارا للبرميل. وسنة 2020م من 58 إلى 72 دولارا للبرميل. ومع أن كل التوقعات المستقبلية تشير إلى أن أسعار البترول في ارتفاع وذلك بالاعتماد على المعطيات الاقتصادية إلا أن أسعار البترول تتأثر كثيرا بالمتغيرات السياسية مثل نشوب صراعات في الدول المنتجة للبترول أو فرض حصار أو عقوبات اقتصادية على بعض الدول المنتجة للبترول، ومن المعروف أن روسيا هي أكبر بلد ينافس المملكة على صدارة الإنتاج إلا أن روسيا بطبعها دولة توسعية مما قد يعرضها إلى عقوبات اقتصادية، هذا قد يؤثر على مستوى إنتاجها من البترول الذي لو حدث فسيكون له أثر كبير على أسعار النفط، وما ينطبق على روسيا ينطبق أكثر على إيران، حيث إن سلوكيات حكام إيران المارقة قد تعرضها في أي لحظة الى عقوبات اقتصادية ويقلل مستوى إنتاجها من البترول، كل هذه الأحداث تؤثر على أسعار وايرادات النفط ولهذا من المتوقع أن ميزانية المملكة في الأعوام القادمة ستشهد زيادة في الإنفاق وانخفاضا في العجز والدين العام.