«أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا» [الكهف: 79] الحل كان عند سيدنا الخضر في إحداث الأذى في السفينة، الأمر الذي أنكره عليه نبي الله موسى. فقد كان الاثنان مختلفين في فهم الأمر. في الغالب، لا تجد المنظمات والمجتمعات مشكلة في اجتراح حلول لمعضلاتها. ولكن التحدي الحقيقي يقع دائمًا في تحديد ماهية المشكلة والقدرة على صياغتها خارج إطار القوالب الجامدة. فقد بين استطلاع أجراه مؤخرًا الباحث والكاتب «ثوماس ويديل-ويديلسبورغ» مع 106 من المديرين التنفيذيين في 91 منظمة خاصة وعامة، في 17 دولة، أن 85% من القادة في هذه المنظمات يَرَوْن أن منظماتهم غير جيدة في تشخيص مشاكلها. ويرى نحو 86% منهم، أن ذلك يحمّل منظماتهم تكاليف باهظة. فالأمر واضح للغاية، بأن المديرين يشرعون في وضع الحلول دون النظر إلى المشكلة من عدة زوايا أو التأكد من فهم جميع وجوهها بشكل جيد. فكلما غيرنا صياغة المشكلة، أوجدنا مجالًا أوسع من الحلول. فهناك جواب واحد فقط للسؤال: «ما هو مجموع العددين 3 وَ7؟» بينما هناك أجوبة كثيرة للسؤال: «ما هما العددان اللذان مجموعهما عشرة؟» فقد نقل عن ألبرت إنيشتاين قوله: «إذا كان لدي ساعة لحل مشكلة تعتمد على حلها حياتي، فإني أودّ أن أنفق أول خمس وخمسين دقيقة في تحديد السؤال الصحيح الذي سأطرحه. وسأستطيع حل المشكلة في أقل من خمس دقائق، حينما أتمكن من معرفة السؤال الصحيح،» أي التعريف الصحيح للمشكلة. لو طلب أناس منك على سبيل المثال بناء جسر بين جزيرتين، فإنك قد تبادر إلى بناء الجسر، وقد تنظر في بدائل أخرى متعددة، مثل حفر نفق أو استخدام عبّارة، أو استخدام القوارب أو وسائل الطيران. كما يمكن فتح فرضيات جديدة من البدائل بطرحك سؤال عن الهدف من الانتقال بين البلدين. فَلَو كان الجواب: من أجل العمل، فلربما تفكر في تمكين الأشخاص من العمل في مكانهم دون الحاجة للانتقال. نحن نخلق أطرًا للأشياء من خلال تجاربنا التي نمر بها. فما نسمعه ونراه ونعيشه هو الذي يحدّد الطريقة التي نفكر بها. لذلك، فإن إتقان القدرة على إعادة صياغة المشاكل التي نواجهها هو أداة هامة لتعزيز مدى التخيّل وفتح طيف واسع من الحلول لتلك المشاكل. في كلية التصاميم بجامعة ستانفورد، يعلّمون الطلاب كيفية التعاطف مع أنواع مختلفة جدًّا من الناس، حتى يتمكنوا من تصميم المنتجات التي تتناسب مع احتياجاتهم الخاصة. فالإنسان عندما يتعاطف مع الآخرين، يقوم بشكل أساس بتغيير الإطار المرجعي الخاص به، عن طريق التحول من وجهة نظره إلى وجهة نظر الآخرين. وما أحوجنا اليوم إلى إعادة فهم مشاكلنا الطائفية والدينية من خلال التعاطف مع الآخرين وفهم الأمر من وجهة نظرهم لا وجهة نظرنا. العالم كله كان يعتقد أن الأرض هي مركز الكون وأن الشمس وبقية الكواكب تدور حولها، حتى جاء العالم كوبرنيكس وغير هذا المفهوم الذي خلق ثورة في علم الفلك وحياة الناس. وكان الناس في الغرب يعتقدون أن الأرض غير كروية ولها نهاية تشكل جُرفًا يسقط فيه من يصل إليه. وكاد العالم الإيطالي جاليليو يُقتل بسبب اعتقاده بكروية الأرض. كل هذا لأن الناس لم ينظروا للأمر من زوايا مختلفة. لذلك من المهم أن نعوّد أنفسنا على رؤية الأشياء من زوايا مختلفة. ففي اليابان عند بناء المدن، لا يعطون للمباني أرقامًا والشوارع أسماء كما هو متعارف عليه في كثير من البلدان. ولكنهم بدلا من ذلك يقسمون المدينة إلى حارات صغيرة يعطونها أسماء. وينظرون للشوارع داخل الحارة على أنها فراغات. وداخل كل حارة ترقم المباني حسب أسبقيتها في البناء وليس موقعها. هذا وغيره من الأمثلة يشير إلى حقيقة أن الطريقة التي نرى بها معظم الأشياء هي محض اعتباطية. والأمر متروك لنا لنرى الطبيعة التقديرية لكثير من الخيارات الخاصة بِنَا، وإيجاد وسيلة لتحويل وجهة نظرنا حتى تتمكن من كشف السبل البديلة. حتى النكات يعكس بعضها رؤية الأمور من زوايا مختلفة من خلال إعادة صياغة المشكلة. تقول النكتة ان هناك رجلين يتسليان خارج المنزل بلعبة قديمة تشبه لعبة الشطرنج. وفيما هما يلعبان مرت جنازة باتجاه المقبرة. توقف أحدهما عن اللعب وأطرق برأسه تعبيرًا عن احترام الجنازة. فقال له صاحبه: «يا لك من إنسان عظيم.» فرد عليه الأول: «إن عِشرة دامت 25 سنة مع هذه المرأة ليست بالشيء القليل.» فهنا حصل انقلاب في صياغة الموضوع، حيث اعتبر الرجل الثاني صاحبه رجلًا نبيلًا في البداية، إلا انه رَآه نذلًا بعد إن اكتشف أن الجنازة كانت لزوجته. أحد الأسباب التي أشار إليها الباحثون في عدم التمكن من صياغة المشكلة بشكل صحيح هو الإيغال والمبالغة في النظر إلى المشكلة من الجانب الفني البحت. وهذه النظرة الهندسية لكثير من الأمور قد تقتل الحلول الإبداعية التي تستهدف استئصال المشكلة من جذورها. إن إعادة صياغة المشاكل والقضايا ليست ترفا. على العكس من ذلك، فإن جميع المنظمات بحاجة إلى ممارسة هذا النهج باستمرار من أجل البقاء في ظل المتغيرات الكبيرة في الأسواق والتقنية. فَلَو نظرنا إلى ما أحدثته ثورة الإنترنيت من خلال التجارة الإلكترونية لاصبح بوسعنا رؤية القوالب الجامدة من المنظمات التي خرجت من السوق وتلك التي غيرت من نهجها لتنافس عالميًّا وتبقى في السوق.