تحوّلت حلب أكبر مدن سوريا، وأقدم مدينة بالعالم، إلى مدينة «منهوشة» و«محروقة» من قبل عناصر طاغية الشام والميليشات الايرانية والطائرات البوتينية، وها هم أهلها اليوم بين قتلى وجرحى ومهاجرين ومفقودين، ويواجه سكانها المدنيون أفظع مصائر عاشها ويعيشها أي مدني آخر في سوريا. لا يتم الانتصار على أجساد الأطفال والنساء والعزل، والتاريخ لن يمجد الطغاة والإمبراطوريات، التي تسعى الى الظهور على حساب دماء الشعب السوري، فالنجاح لا يكون بغسل العار بالدماء. وشدد محللون ومتابعون لإبادة حلب في تصريحات ل«اليوم» على ضرورة «ايقاف الاستباحة الروسية الايرانية»، موضحين ان «روسيا رغم عقدتها السوفياتية الا انها ترى ان العنف يصنع لها التاريخ والامبراطورية». ولفتوا الى «اننا أمام حملة «مغولية» جديدة يقودها الايرانيون أكثر الناس تبجحاً بمحاربة الارهاب، بينما هم على أرض الواقع والتحقيق يمارسون أقبح أنواع الارهاب في التاريخ». روسيا تسلم سوريا إلى ايران ويرى الكاتب المتخصص في الشؤون الاقليمية مصطفى فحص في تصريح ل«اليوم» ان «الوضع السريع المتدهور في حلب لا يخلو من تواطؤ ما، قد جرى بين دول اقليمية وأطراف دولية من أجل حسم سريع»، وقال: «كنا نتوق بحسب التقديرات العسكرية ان يكون هناك اشتباك طويل قد يستغرق عدة أسابيع أو شهور، ولكن المفاجأة أن حلب سلمت أو فرض على المقاتلين في المعارضة الاستسلام بهذا الشكل المذل والمهين، الذي يمثل إذلالاً لكل الشعوب العربية بعد تقدم الميليشيات الطائفية، والتعنت الدولي والهمجية الروسية والوحشية التي فرضت أجندتها على الشعب وعلى ثورته التي خرجت من أجل دحر الاستبداد ثم تحولت إلى صراع اقليمي وطائفي». واعتبر فحص أن «الاعتراف بالهزيمة الآن يعتبر فضيلة كبرى»، وأضاف «على الثورة وقيادتها العسكرية والسياسية والدول الداعمة الصادقة في دعمها أن تخرج الثورة من حساباتها الخارجية وان تحولها الى مصلحة وطنية سورية». ولفت الى ان «أولويات الداخل تتقدم على اولويات الخارج، وعلى الثورة السورية الموحدة في فصائلها، التي تملك جيشاً موحداً وراية واحدة وقيادة سياسية أن تصبح موحدة، وان تدخل أولاً الى طاولة المفاوضات مع أصدقائها الذين يجب أن يصبحوا على اجندتها، لا أن تصبح على أجندتهم، بمعنى ان تفرض شروطها على الجميع، بحيث تتحول إلى حاجة عربية واسلامية ودولية لكسر التوحش الروسي والتقدم الايراني في المنطقة». وشدد فحص على ان «الثورة السورية هي المتراس الأخير لهذه الأمة في ايجاد استقلالها التام من الامتداد الايراني على المشرق العربي، كما أن الثورة السورية اكثر من أي وقت مضى بحاجة الآن الى اعادة ترتيب صفوفها، فهي في هذه اللحظة بالذات يجب أن تنجز مشروعاً يشبه مؤتمر «التحرير الفلسطينية» وحركة «تحرر وطني»، وعلى العرب ان يعلنوا ان سوريا محتلة، وعليهم بالاضافة لذلك ان يوقفوا الرهان على ان هناك تباينا ايرانياروسيا يستثمر لمصلحتهم حتى يتحول هذا التباين الى صراع ايراني روسي على سوريا، وهذا مع الاسف بعيد المنال، لأنه بالأمس فرضت ايران شروطها الميدانية على الاتفاق التركي الروسي وعطلته في حلب لأنها هي مَنْ يملك الميدان والروسي يملك الجو، وهذا مؤشر خطير على ان روسيا سلمت ايران تفاصيل سوريا، فمَنْ يملك الأرض هو يملك جزءا كبيرا من القرار السياسي». وزاد «روسيا قد تكتفي بحصة المقايضة من المجتمع الدولي، بعدما أخرجت روسياسوريا من نظام المقايضة، وبالمقابل نجد أن النظام الاوروبي اصبح على شفير الانهيار بعد وصول دونالد ترامب للرئاسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بالإضافة الى الخلافات الاوروبية الأوروبية، فروسيا الان ترى نفسها أكثر تقدماً وهي ترى ان ايران جزء من حلفها، بينما العرب تأخروا كثيراً وهم يراهنون على شيء جديد لن ينالوه وتعتقد روسيا انها متقدمة جداً، وهذا ما يتوجب مواجهتها مواجهة فعلية في سوريا». وختم حديثه بالقول: «الفكرة الأساس ان روسيا جسم من ورق، حيث نرى عجزها التقني والعسكري، ولكنها لا تملك الا اداة التوحش ضد شعب ضعيف». وأضاف «روسيا على الرغم من عقدتها السوفياتية الا انها ترى ان العنف يصنع لها التاريخ وان الامبراطورية تبنى على الدم وهذا الدم السوري الذي تستبيحه على العرب أن يوقفوه، عليهم إيقاف استباحته من قبل روسياوايران». ##زحف «مغولي» ايراني من جانبه، جزم رئيس هيئة «السكينة الاسلامية» احمد الايوبي في تصريح للصحيفة بأن «هنالك اتفاقا حصل في حلب، الا أن أسوأ ما فيه هو أنه ترك ضحية الاتفاق من دون غطاء أو إجلاء»، معتبراً ان «مضمون الاتفاق هو ترك حلب وتسليمها للنظام، الا ان ما يلفت الانتباه أنه في الوقت الذي سقطت فيه حلب دخلت تركيا مدينة الباب». ورأى ان «هناك «ستاتيكو» يحصل في سوريا وهو عبارة عن تقاسم نفوذ، الا ان الضحية الكبرى للأسف كانوا المدنيين والمدن الكبرى أي الحواضر السنية، التي تتعرض لعملية تدمير وتغيير ديموغرافي غير مسبوق»، معلناً «اننا في هذا العصر أمام حملة «مغولية» جديدة يقودها أكثر الناس تبجحاً بمحاربة الارهاب وهم الايرانيون، الا انهم عملياً يمارسون أقبح أنواع الارهاب في التاريخ». واوضح الأيوبي أن «تصفية حلب واخراجها من ساحة المعارضة والثورة هي جزء من تهيئة مشهد جديد في سوريا يقضي بتقاسم نفوذ دولي واقليمي لم يراع حقوق المدنيين في الحياة والامان، وسيأخذ وقتاً طويلاً طالما ان تنظيم «داعش» موجود، وهذا سيجعل من القضية السورية مستمرة في المراوحة بالنفق لفترة طويلة قد تستغرق سنوات، وقال: «ان حسم النظام أمره في حلب، اخشى ان تكون «الغوطة» و«خان الشيخ» على طريق التسليم، لهذا أنا متشائم من هذا المسار». وشدد أخيرا على ان «الابادة تتنقل من مدينة سنية إلى أخرى، فقد سبق ان أبادوا حمص وانتقلوا بعدها الى حلب فأحرقوها بالدمار الشامل، وهذا مصير أي مدينة سنية، وقد يكون بحجة وجود «داعش» أما تدمر فقد تباد وتمحى عن الخريطة». وختم بقوله: «نحن أمام زحف «مغولي» بكل معنى الكلمة».