يُقال إن العرب والغرب متشابهون في الحروف ومختلفون في (النقطة)، وهم متشابهون في العقل والعاطفة ولكنهم مختلفون في أي المساحتين يفكر به أحدهما أكثر من الآخر؟!! عُرِف عنا نحن العرب أننا شعبٌ عاطفي تغلب عليه العاطفة الجيَّاشة، فكثيراً ما نتأثر بما يثير الشجون وتذرف له الدموع، نحب بعضنا إلى أقصى درجات الحب فنهبه تقديراً وإجلالاً وتكريماً في أقوى صوره وأعلى درجاته، وقد لا يحركنا ساكن تجاه بعضنا - أيضاً - فلا نعيره «التفاتة اهتمام متقزمة» حتى لو كان هذا البعض ممن أفنى عمره وزهرة شبابه في عمله وخدمة وطنه ومجتمعه، وغياب هذه الالتفاتة لا تعود إلى تاريخ قاصر في العطاء أو لضآلة الإنجاز أو لغياب في أخلاقيات المهنة وشرف التضحيات، فكل القيم مرئيةٌ أفعالها ومسموعةٌ حكاياتها ومقروءةٌ سيرتها العطرة وموثقةٌ مواقفها المشرِّفة. في حكايةٍ جمعت بين رجل عربي وامرأة غربية كلاهما تصرَّف بما (جُبِل عليه)، فالأول دفعته عاطفته إلى كسر قوانين وأنظمة وإشارات المرور، والأخرى دفعها حب الوطن إلى احترام الأنظمة والتعليمات والدفاع عن حقوقها كمواطنة في بلد فرض عليها قوانينه فاحترمتها وخضعت لها، لم تسمح لعاطفتها بلعب أدوار ليست في محلها، إسداء الجميل لم يمنعها من أن تقول للمخطئ: «أنت أخطأت في حق وطني، في حق الأنظمة، بل وفي حقي كمواطنة لها حقوقها المادية والأدبية والمعنوية» إن من اخترق إشارات المرور قد سمح لنفسه بأن يستن قانوناً لمجرد أن عاطفته ساقته لهذا التجاوز فوافقته عليه نفسه وكل من حوله دون أن تكون لهم وقفة! وإليكم الحكاية: «في الساعة الثالثة فجراً شكت السيدة البريطانية من ألم المخاض، وكان زوجها مسافراً خارج المملكة المتحدة، فما كان منها إلا أن طلبت المساعدة من جارها العربي المعروف بشهامته لكي يأخذها إلى المستشفى بسيارته، العربي الشهم لبى النداء وأخذها مسرعاً إلى المستشفى، ولأنها كانت تتألم فقد تجاوز كل الإشارات الضوئية الحمراء مخاطراً بسحب رخصة القيادة فقوانين البلد صارمة بهذا الشأن، أوصلها إلى المستشفى بأمان وبقي معها إلى أن وضعت مولودها بسلام، اطمأن عليها ورجع للمنزل واتصل به زوجها يشكره على فعله الشهم، بعد أيام جاءه إشعار من دائرة المرور يبلغه بضرورة دفع غرامة مالية لتجاوزه الإشارة الضوئية الحمراء، ذهب إلى المرور ودفع الغرامة وذهب للشخص المسئول وقال له: سيِّدي،، أنا تجاوزت الإشارة الحمراء متعمداً لكي أوصل مريضة للمستشفى ولا مشكلة لدي بالغرامة فقد دفعتُها لكن الذي يحيرني كيف عرفتم بالأمر ولا توجد كاميرات في ذلك الشارع ولا يوجد شرطي مرور؟ قال له المسئول إن المرأة الحامل هي من أبلغت عنه، لم يصدق أذنيه! عندما عاد في المساء ذهب إلى جارته لكي يطمئن عليها ويبارك لها مولودها الجديد، استقبلته برحابة صدر وشكرته، وكادت تبكي من امتنانها وسرورها بلفتته الإنسانية، لم يسرها في نفسه وسألها: أنتِ من أبلغ عني إدارة المرور؟ قالت: أجل، سألها: لماذا؟ أجابته: نحن بلد قانون وبلد منظم، والمخالف يجب أن يأخذ جزاءه مهما كان وابن من كان، وبغير هذا القانون لم ولن نبني هذه الأمة، وستسود الفوضى، والكل سيفعل ما يحلو له، صحيح أنك ساعدتني وأنا شاكرة فضلك وإحسانك، لكن أنا جزء من منظومة تطبيق القانون الذي يبدأ بي ويشمل كل مسئول، أرجوك أن تفهم هذا الشيء وتقدره! خرج منها متحيراً بين الإنسانية التي لا تعرف القوانين وبين القوانين التي لا تعرف الإنسانية) انتهت الحكاية هذه القصة الواقعية تعلمنا الكثير الكثير، تعلمنا أنه لا يحق لنا تحت أي ظرف أن نعطي من أنفسنا لأنفسنا حقاً لم يرد في لائحة تنظيمية ولا تشريعية، فقط لمجرد أن المحرك الأقوى كان في عاطفة التقدير. إن خرق إشارات المرور يعني احتمالية إلحاق الضرر بالآخرين مادياً ونفسياً، إن ابتداع (سنة يتيمة) لكي تكون في صالح البعض وقبيلته فيه هضمٌ لحقوق باقي المستحقين علناً وفي وضح النهار، تُرى ما ذنب هؤلاء أنهم عاشوا في زمن لم يكن ليُسمح فيه بالاستثناءات أمام إشارات المرور!! همسة محب: الصمت ليس فراغاً، بل ملئ بالأجوبة! وقفة تأمل: في المركز الثقافي بالكويت - دارالأوبرا - كانت هناك لوحةٌ غنائية أبهرت الكثير من الناس وصارت محل مناقشات القنوات الإعلامية بالتلفزيون، فاللوحة لم تكن مجرد مزيج فريد (من كل بحرٍ قطرة) بقدر ما نُظِر إليها على أنها تقديرٌ لمؤسسي الأغنية السعودية منذ بداياتها، وأجمعت المناقشات على أن في هذا تقديرا وعرفانا بتاريخ المؤسسين حتى لو كان في «أغنية»، في الوقت نفسه نرى كيف أن بعض المسئولين لم يلتفتوا إلى من أفنوا زهرة شبابهم وسنوات أعمارهم (أكثر من 38 عاماً قضوها في العمل بصدقٍ وعطاء متميز) ليكونوا - كما شُهِدَ لهم - بأنهم خير المؤسسين في تعليم وتربية الأجيال القادمة!!