ليست طريقة كلامك وهندامك العام وحدها ما يفصح عن ذوقك وعلمك وثقافتك الاجتماعية والتربوية.. أمور أبسط من تلك قادرة على رسم جزء كبير من ملامح شخصيتك، وقادرة على التحدث عنك بكل وضوح.. إنها باختصار وسائط الاتصال البشري الافتراضية؛ تغريداتك على موقع «تويتر» صورك على «انستغرام» فيديوهاتك عبر «سناب تشات» رسائلك عبر «واتساب».. كلها تقول من أنت، وربما يكفي برنامج واحد فقط تستخدمه ليقدم تحليلا نفسيا شاملا عنك.. بعض الأفراد لا تحتاج أن تتفحصه كثيرا لتفهم مدى سذاجته أو نفاقه او حتى ذكائه وعمقه.. ربما من عدة تغريدات أو رسائل عبر «واتساب» تفهم مدى سطحيته أو عمقه، تفهم خلله أو نضجه.. علينا محاولة تجويد مصادر المعلومات والاخبار التي نتلقاها، وأن نتورع في تمرير المعلومات او الاخبار غير الموثقة او تلك التي تحمل أيدولوجيات او اتجاهات سلبية لأنها باختصار تشكل ذاتك ووعيك وصورتك الذهنية عند الآخرين.. إن طريقة عيشك في الحياة، وقراراتك وتصرفاتك التي تتخذها في المواقف المختلفة هي بالأساس نتاج معلوماتك، وخبراتك ووعيك، وطريقة تفكيرك، وأخيرا هي نتاج تنشئتك الاجتماعية والثقافية.. لذلك يقال ان الإنسان ابن بيئته لا يستطيع ان ينفصل عنها فكريا وسلوكيا.. وبشكل عام الأفراد يميلون إلى التشابه والتماهي مع الجماعة والمجتمع العام ولا يحبذون الاختلاف لذلك هم يتناقلون في افعالهم ما ارتضاه المجتمع واقره في العرف والعادة، وليس هناك خلل في ان يتشابه الأفراد في طريقة تفكيرهم ويتواترون في أفعالهم العامة على سلوكيات معينة إلا في النواحي التي تهدد مصلحة او حرية بعض الفئات في المجتمع أو أن يتواتروا على فعل عادات انسانية غريبة تجعلهم محط استهجان ثقافي من قبل المجتمعات الأخرى أو أن يعتادوا سلوكيات سلبية عامة بلا شعور بالعيب أو الخلل.. ما يجب ادراكه او على الأقل التفكير فيه هو؛ انه لا يجوز في العقيدة الفكرية والعقلية الحرة ان تكون منصاعا لطريقة تفكير معينة تجعلك احادي الاتجاه لا تقبل الا بمسار او منهج معين في قبول الحقائق والمعلومات والأفعال لمجرد أن المجتمع أقرها أو تواتر عليها.. يقال ان إحدى الطرق لتوسيع مداركك ان تقرأ ما يخالف قناعاتك وليس ما يتفق معها، هذه الطريقة هي احدى الأدوات لتبدأ في التفكير بشكل مختلف.. ليس عليك تغيير قناعاتك او نهجك، الأهم في كل شيء ان تكون لديك سعة افق وصدر وخلق تجعلك متقبلا للمختلف.. تجعلك قادرا على خلع رداء النقد المستمر لكل ما يخالف توجهاتك.. لو طبق الأفراد هذه القاعدة الفكرية بأبسط أبجدياتها لوصلنا إلى مرحلة متقدمة من احترام الحريات والحقوق والنقد المهذب والأفق الواسع والمنطق العقلاني.. المشكلة الراهنة ان الجموع البشرية من الجماهير تميل الى تلقي وترويج الأفكار والمعلومات التي تتفق مع ميولها أو التي تخدم مصالحها بصرف النظر عن مدى صدقها ومدى سلبيتها وسوداويتها.. لذلك نجد الانتشار في تناقل الشائعات بلا حياء أو تحرز وعدم التورع في التصريح بالأفكار التطرفية سواء في العادات الاجتماعية او القضايا الدينية.. في كل العلوم، الدينية والطبيعية والإنسانية، الذين يفكرون بتجرد وخارج المألوف هم «الصفوة» هم «النخبة».. فالمؤمنون المتدبرون في الكون والخالق والذين يطرحون الأسئلة الكبيرة والثقيلة بدافع التدبر والإيمان هم الأعلى منزلة في المؤمنين.. وفي العلوم الطبيعية الذين خرجوا عن قواعد التفكير المألوف هم اصحاب الفضل في الاختراعات العلمية الكبيرة التي غيرت حياة البشر.. اما في العلوم الإنسانية فأصحاب النظريات الفلسفية والاجتماعية والنفسية هم الذين خرجوا لنا بقواعد القوانين الاجتماعية التي فسرت معظم مشاكل السلوك البشري والفعل الاجتماعي في كل مناحيه السياسية والاقتصادية والثقافية، لأنهم استخدموا أدوات التفكير والمنطق العلمي والتجرد خارج المألوف.. كلنا قادرون على التفكير بهذه الطريقة وأولى درجات السلم «التجربة».. إذا أردت أن تغير حياتك، غير طريقة تفكيرك..