السنة لغة الطريق الذي سنه أوائل الناس فصار مسلكا لمن بعدهم، وتطلق على السيرة المستيقنة المحمودة، وهي في الإسلام ما ثبت تشريعا عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير، وما لم يثبت فليس من السنة، ولا يصح نسبته إلى الرسول، وهي عند الفقهاء ما ثبت عن النبي من غير افتراض ولا وجوب، وقد تطلق على ما يقابل البدعة، والسنة القولية تؤخذ منها الأحكام الخمسة وهي: المباح والمستحب والواجب والمكروه والمحرم، أما السنة الفعلية فهي أفعال الرسول ومنها أفعاله التي لم تأت مفسرة لنصوص أخرى وهذه للتأسي لقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا). فالسنة الفعلية قد تكون مؤكدة أو مبينة لنص واجب أو مستحب وقد تكون للتأسي، فمن تأسى بفعل الرسول فيما ليس بواجب أو مستحب فهو محسن مأجور ومن لم يتأس به في ذلك فلا حرج عليه، ما لم يكن رغبة عن هديه. وأما السنة التقريرية فهي إقرار النبي لقول أو فعل علمه، وهى تفيد الإباحة في أمور المعاملات والعادات، لأن النبي لا يسكت على باطل وتفيد الاستحباب في أمور العبادات لأن فعل العبادة المشروعة غير الواجبة مستحب، إلا أنها ليست في درجة استحباب ما حافظ النبي على فعله أو حث المسلمين عليه بقوله. والسنة الصحيحة وحي تثبت بها الأحكام والأخبار وهي تفسر مجمل القرآن وتشرحه، وقد جمعها أهل الرواية من شتى الأمصار في القرون الأولى واجتهدوا في تنقيتها وترتيبها على الموضوعات فجمعوا الأحاديث المتعلقة بالقرآن ونزوله ومعانيه في كتب التفسير وعلوم القرآن، وجمعوا أحاديث العبادات والمعاملات في كتب سموها السنن، وصنفوا كتبا سموها الجوامع، وهى كتب جامعة تشتمل على أحاديث متعلقة بأبواب الدين، وصنفوا المسانيد والمعاجم والأجزاء فيها وألفوا كتبا خاصة كثيرة في أبواب مختلفة استقلالا. ومن الصواب عند بحث المسائل جمع كل ما جاء فيها من كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة معا في آن واحد ووضع كل نص منها في موقعه المناسب له، لتفهم نصوص الدين على الوجه الصحيح، ولا يتوهم تعارض الأحكام، فالسنة الصحيحة وحي أوحى الله به إلى النبي لبيان الدين. والسنة من حيث الأحكام التي تشتمل عليها ومن حيث علاقة تلك الأحكام بما ورد في القرآن الكريم ثلاثة أنواع فهي إما أن تكون موافقة للقرآن من كل وجه وهذا من باب توارد الأدلة من القرآن والسنة على الحكم الواحد، ويطلق عليها بعض العلماء السنة المؤكدة للقرآن، ولا يقصد بذلك أنها تزيد نص القرآن ثبوتا لأن القرآن ثابت بنفسه، ولا يحتاج إلى إثبات، وإنما المراد التأكيد على الحكم الذي اشتمل عليه النص، وإما أن تكون تفسيرا للقرآن وبيانا للمراد منه لأن دلالة القرآن على الأحكام أكثرها كلية لا جزئية، وكثير من أحكام الدين جاءت في القرآن مجملة كالصلاة والزكاة والصوم والحج، وجاءت السنة بمقاديرها وشروطها وصفاتها وكيفية أدائها، وهذا النوع من السنة هو الذي ينطبق عليه قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) وهذا البيان قد يكون تفصيلا أو تفسيرا لكلمة غامضة في الأذهان، أو بيانا لعبارة قد يشكل فهمها أو فهمت على غير المراد منها فبينت السنة المراد بها، وإما أن تأتي السنة بحكم سكت عنه القرآن كالوتر وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وحرمة الرضاع لكل ما يحرم من النسب وعدم توريث الكافر من المسلم والمسلم من الكافر ومنع الحائض من الصوم والصلاة ونحو ذلك، وهذا النوع من الأحكام والسنن كثير يدخل كله تحت عموم الآيات الآمرة بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والناهية عن معصيته والمحذرة من مخالفته فالسنة كلها مؤكدة ومفسرة ومبينة للقرآن، وترجع في معناها إليه.