لا نعرف كيف قادنا الزمن للسباحة في بحيرة اللامبالاة، فلم تعد المبادئ هدفا، ولا الأخلاق عنوانا، إلا من رحم ربي، وفي شارعنا الرياضي تجد قول المتنبي ماثلا أمامك (وتعظم في عين الصغير صغارها.. وتصغر في عين العظيم العظائم). أستطيع الجزم، بأن ثقافة تحويل (الحبة إلى قبة) لعبة آنية، يمل منها الجميع ولا ترقى لأن تكون نموذجا له ثقله، لا في حسابات المجموع ولا الفرادى. في مشهدنا الرياضي حكايات أقرب إلى الخيال، وفصول أقرب إلى الذهول، والفوضى تعم، والتنظيم يخص، في معادلة تقديم المؤخر، وتأخير المقدم. وليس أدل على ذلك من محاولة البعض نسف انجازات الأمير نواف بن محمد رئيس الاتحاد السعودي لألعاب القوى بمجرد رحيله عن اتحاد اللعبة. فبعد هدوء العاصفة آن لنا أن نعيد الحق لأصحابه، فالرجل الذي حمل على عاتقه نقل أم الألعاب السعودية للعالمية بنى صرحاً في المملكة اسمه ألعاب القوى لم يكن موجوداً قبل تواجده في رئاسة اتحاد اللعبة والتي بدأت في العام 1992 قبل أن تنتهي ولايته التي استمرت 24 عاماً في العام الحالي 2016. انجازات الأمير نواف بن محمد لا يمكن حجبها، فالشمس كما يقولون لا تحجب بغربال، فسموه شكل أول اطلالة سعودية في الاولمبياد عن طريق هادي صوعان بحصوله على الميدالية الفضية في سيدني 2000 في سباق 400م/ح. الرجل نجح في احداث قفزة كبيرة في أم الألعاب السعودية، وغير النهج الداخلي لمنافسات ألعاب القوى وغير من شكلها وهيبتها، وأصبحت لها بطولة تقاس بالبطولات الآسيوية والدولية، فكان يعمل على الكم والكيف، وقفز باللعبة التي كانت قبل العام 92م من القرن الماضي مجرد منافسة محلية لم تطل برأسها حتى على مستوى الانجازات الخليجية، وفي سنوات معدودة نجح الاتحاد السعودي لألعاب القوى برئاسة الأمير نواف بن محمد في حصد الذهب خليجيا وعربيا وقاريا وعالميا. لم يكن هذا فحسب هو ما يعكف عليه الأمير نواف بن محمد، بل كان لديه نفس خاص وهمة وتخطيط على النشء، فكان الرياضي العربي الوحيد الذي اهتم بأم الألعاب من الناشئة، وأول من لجأ للاستفادة من العنصر الرياضي العسكري والجامعي، وساهم برؤيته الثاقبة في توظيف النجوم الهواة الذين لا يمتلكون عملا بعد الثانوية في القطاع العسكري أو حتى القطاع الخاص وتخصيص مكافأة شهرية للطلاب الجامعيين في عمل احترافي لم يتطرق إليه أحد من قبل. لا نبالغ اذا قلنا ان العرب كانوا بعيدين عن المناصب الدولية والقارية في اتحاد أم الألعاب حتى جاء الأمير نواف بن محمد وفاز بعضوية الاتحاد الدولي للعبة. لكن مشكلة الأمير نواف بن محمد كانت مع الخطاب الإعلامي والجماهيري المأزوم، الذي يقحم أي شخصية ناجحة في لعبة الميول، فمازال البعض منا يعيش في أوهام تدخلات الأمير نواف بن محمد في عمل لجان اتحاد كرة القدم، على الرغم من أنه في السنوات الاخيرة كان بعيدا كل البعد عنها، ولم يكن له ناقة ولا جمل في اتحاد الكرة. حتى في الأولمبياد الاخير الذي اعتبره البعض فشلاً لاتحاد ألعاب القوى، كان الأكثر من حيث عدد المتأهلين للأولمبياد من بين الاتحادات السعودية، لكن مشكلة البعض أنه يريد بطلا أولمبيا على غرار لاعبي كرة القدم، بينما في الحقيقة أن الابطال الأولمبيين يحتاجون لسنوات للعمل من أجل اعدادهم وتجهيزهم لحصد الميداليات الأولمبية. في الأخير نود أن نقول شكراً، فرغم كل ما تحقق على يديك من انجازات «للأسف الشديد» كانت الموجة عالية وفي غير محلها والكثير دائماً ما يتبع مقولة مع القوم يا شقرا، لذا الشكر كان واجباً حتى وان كان متأخراً. كل الذين انتقدوا الأمير نواف بن محمد بعد الأولمبياد من غير أهل الاختصاص ولا يعرفون مسميات مسابقات ألعاب القوى، بل لا يعرفون الفرق ما بين المسافات الطويلة ورمي الرمح.