لم ينه انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية الفراغ الرئاسي في رأس هرم الدولة فحسب، بل كان لهذا الانتخاب فوائد عديدة، الا ان نقطة البداية تجسدت في تطبيق اتفاق الطائف في شقه اللبناني الذي أقر في 30 سبتمبر 1989 في مدينة الطائف في المملكة، أما الإيجابية الثانية فتبلورت في وضع حدّ نهائي وحاسم لاستغلال المسيحيين عبر جعلهم اداة لتعديل هذا الاتفاق، وتنفيذ أهداف ومصالح لا تخدم المصلحة اللبنانية العليا، وبالتالي إبطال حلم «حزب الله» بالذهاب الى مؤتمر تأسيسي، وتتجلى المباشرة في فرض السيادة اللبنانية على كامل الاراضي كنتاج حقيقي وهام بعد هذا الانتخاب، اللبناني الصنع، فلا قيمة لأي دولة منهكة السيادة. ويقدم هذا التقرير تحليلاً مفصلاً لبدء تطبيق الطائفاللبناني بأجزائه الثلاثة. انتهاء الطائف السوري واوضح الكاتب والمحلل السياسي شارل جبّور في تصريح ل«اليوم» أن «ما قصده النائب جورج عدوان عندما قال: «العهد الجديد عهد تطبيق الطائفاللبناني»، ان الطائفاللبناني لم يطبق منذ اقراره نتيجة الانقلاب الذي حصل بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض، حيث دخل هذا الاتفاق انذاك في منحى جديد وهو منحى الاتفاق الثلاثي، لافتاً الى ان «ما طبق من اتفاق الطائف هو شق الاتفاق الثلاثي وليس اتفاق الطائف، أي الاتفاق السوري وهذا الاتفاق بقي مستمراً حتى اليوم، الا ان ما حصل مع انتخاب العماد ميشال عون هو بداية تصحيح اتفاق الطائف بشق الشراكة الميثاقية وليس بشقه السياسي». وقال: «عندما نتكلم عن طائف لبناني نكون نتحدث عن شقين، شق لديه علاقة بالبعد الشراكة المسيحية الاسلامية داخل النظام، وشق آخر له علاقة بالبعد السياسي، ولهذا ما حصل من خلال الطائف السوري حينما كانت السيادة منتهكة وكانت الشراكة على مستوى تركيبة النظام والسلطة غير محترمة ليس فقط على المستوى المسيحي، حتى على مستوى القوى الاسلامية لم يكن قرارها ملء يديها، بل كان القرار في عنجر وليس في لبنان». واضاف جبّور: «ما نأمله اليوم مع انتخاب العماد ميشال عون هو تحقيق مسألتين بانتظار المسألة الثالثة المتعلقة بموضوع السيادة، وتتعلق المسألة الأولى بأن يكون القرار هو قرار لبناني صرف على غرار ان صناعة الرئيس كانت صناعة لبنانية مئة بالمئة، وبالتالي لابد ان يكون القرار منذ الآن وصاعداً هو قرار لبناني من خلال توافق اللبنانيين على سياسات معينة، نكون عندها بدأنا مشوار تطبيق الطائف بشكل لبناني، والمسألة الأخرى هي عودة المكون المسيحي التمثيلي الذي تم تغييبه من الاحتلال السوري في لبنان، الى السلطة بوصول الرئيس ميشال عون وانتخابه مدعوماً بإرادة سمير جعجع وبإرادة اسلامية تمثلت ب «تيار المستقبل» و»حزب الله» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، ولكن المكون المسيحي التمثيلي كان في العام 90 مغيباً عن السلطة وعن رأس الهرم في الدولة اللبنانية». إبطال حلم الحزب ولفت الى ان «ما حصل من خلال هذا الانتخاب ان رأس الهرم الذي يجسد بيئته وتطلعاتها اصبح في موقع رئاسة الجمهورية، الامر الذي يجب ان ينسحب أيضاً على مسألتين اساسيتين، إن كان على صعيد الممارسة في السلطة داخل الحكومة وداخل المجلس النيابي وأيضاً أن ينعكس هذا التمثيل في رأس الدولة، اي أن ينعكس تمثيلاً على مستوى الحكومة ومجلس النواب»، وتابع: «لهذا بإمكاننا القول اننا دخلنا في مرحلة الانتقال من الطائف السوري الى الطائفاللبناني، مما يعني أنه باكتمال هذه التسوية، يجب ان ننطلق نحو مسألة السيادية التي لا يمكن لأي دولة ان تنهض اذا كانت على مستوى السيادة منتهكة». وحول ان انتخاب عون أبطل حلم «حزب الله» بالذهاب الى مؤتمر تأسيسي، اجاب جبّور: «لا شك أن الهدف الأساس للدكتور سمير جعجع من خلال دعمه للعماد ميشال عون هو ايقاف محاولة جعل المسيحيين ممراً لتعديل اتفاق الطائف والذهاب إلى مؤتمر تأسيسي». واوضح ان «ما حصل اليوم مع انتخاب عون كان الهدف الاستراتيجي لجعجع ألا وهو «منع» استخدام المسيحيين من جانب حزب الله او أي قوى أخرى، وجعلهم مصدراً للشكوى من اتفاق الطائف والذهاب نحو مؤتمر تأسيسي، لذلك اليوم لا يمكن لأي طرف ان يستخدم المكون المسيحي في هذا السياق، كونه استعاد من خلال الانتخابات الرئاسية حضوره ونجح في قطع أي امكانية لان يتم استغلالهم لتحقيق أهداف لا تتطابق مع المصلحة اللبنانية العليا المتمثلة بحدود اتفاق الطائف واحترامه، واعتقد ان الرئيس سعد الحريري كان حريصا على هذه المسألة بتأكيده أن التفاهم مع العماد عون كان على هذه النقطة، وبالحفاظ على هيكل الدولة واحترام اتفاق الطائف وعدم الذهاب نحو أي تعديلات بهذا الاتجاه». وشدد الكاتب والمحلل السياسي على ان «المطالبة بتعديل الطائف او بإدخال اعراف معينة عليه اصبحت مباشرة من «حزب الله»، الا ان الأهم يبقى هو قطع الطريق أمام الحزب باستغلال المسيحيين للمطالبة بتعديل اتفاق الطائف لتحقيق أهدافه من هذا التعديل والمتمثلة بنقطتين أساسيتين، الاولى هي اعادة البحث بآلية اتخاذ القرار داخل السلطة التنفيذية، وان يكون هنالك «فيتو» داخل هذه السلطة، هذا الفيتو الذي يحصل عليه اليوم انطلاقاً من سلاحه. المسألة الأخرى تشريع سلاحه داخل الدستور من أجل عدم العودة لبحث مسألة السلاح عشية تشكيل الحكومة واعادة البحث في البيان الوزاري، وبالتالي كل همنا ألا يُستغل المسيحيون لتحقيق أهداف لأطراف تريد الانقلاب على اتفاق الطائف، بجانب عدم السماح بأية عملية استخدام لهم لا تخدم المصلحة اللبنانية العامة».