من الصعب فهم طبيعة وميكانزيم النظام السياسي في دول الخليج من قبل وسائل الاعلام والسياسيين والشركات الاستشارية الأجنبية وأيضا المجتمعات في الغرب بما فيهم الأمريكان، فالعلاقة ما بين الحاكم سواء ملك او شيخ هي علاقة ابوية يشكل الجانب العاطفي الجزء الأكبر فيها وهي علاقة اسرية متداخلة ومتشابكة وممتدة وليست نووية. الحاكم والمواطنون في دول الخليج تربطهم بالأرض وبالمكان والزمان علاقة عضوية متجذرة تاريخياً، لذلك فإن الولاء والانتماء للأرض والوطن لا تحكمه المصالح المادية بقدر ما يحكمه المصير والبقاء المشترك، لان الجميع منذ نشأته مرتبط بتراب ومناخ وظروف هذه الأرض ولم يعرف سواها ووجد نفسه وهو يرتبط بشجرة عائلية لها جذر عميق في هذه الأرض. اليوم يجب ان نفهم أن العلاقة ما بين الملك والشيخ في دول الخليج هي علاقة ابوية تربينا عليها، فالناس وخاصة الأطفال نشأوا على ان الملك والشيخ هو الاب، فالأطفال يقولون بابا سلمان وبابا عبدالله وبابا زايد وبابا صباح وهكذا ونحن عندما نكبر نقول هو ولي امرنا مثلما نطلق ذلك على آبائنا .... والجميع منسجمون وراضون ومتقبلون وأيضاً مقتنعون ولن يكونوا عاقين في يوم من الأيام، وعندما يتعرض المواطن لمظلمة او يحتاج أي شيء فلا يرده الا بيت او مجلس ولي الامر، ويقول اللي عنده ولا يخرج الا وهو راض وهذه غير موجودة في أي نظام جمهوري او أي ديمقراطية، لان أي مواطن من الشعب لن يجد باب رئيس الدولة او رئيس الوزراء مفتوحا أمامه، حتى وان كان هو من انتخبه فما عليه الا ان يذهب للحزب الذي ينتمي اليه او لأي مؤسسة قضائية، ويحلها حلَّال، وعليه أن يضع رقبته بيد المحامين الذين يزايدون عليه وعلى قضيته. الله يحبنا لأنه فكنا من الأحزاب والتحزبات التي تلعب بشعارات الحريات والديمقراطيات وتخفي المصالح المادية والسلطوية... وتخلق الصراعات والفوضى والضرب من تحت الحزام، مما جعل الشعوب تنقسم الى فئات كما نرى في نتائج الانتخابات الامريكية الأخيرة، عندما ساهمت الصراعات والمزايدات الانتخابية في انقسام الشعب الأمريكي ودخوله في فوضى ونسوا شيئا اسمه ديمقراطية او الاحتكام للصندوق. يجب أن نفرق في العلاقة ما بين حكامنا والمواطنين وبين أعضاء الحكومة والمواطنين ففي الأولى ابوية والثانية شراكة وتعاون واخذ وعطاء، وهو ما لم يفهمه بعض المسئولين حتى الآن ويجعلهم في صراع مع المواطنين بسبب تصريحاتهم وافعالهم التي لا تتناسب مع السياق الثقافي والاجتماعي، والميثاق الأخلاقي للعلاقة الأبوية بين الناس وحكامهم ولذلك فان أي حماقة او عدم المسئولية وعدم النزول للناس والتفاعل معهم كما يفعل ولي الامر يخلق فجوة سلوكية ومعرفية غاضبة وغير متعاونة، وترمي بعرض الحائط أي شراكة وتفهم وتفاهم مما ستشكل مثل هذه السلوكيات الطائشة عبئا على ولي الامر الذي لن يخذل ابناءه ولن يردهم خائبين حتى وان كان ذلك ليس في مصلحة الاقتصاد على المدى البعيد. المملكة لديها دستوران الأول هو النظام الأساسي للحكم وهو دستورها المكتوب الذي ينظم سلطة الحكومة وطرق توزيع هذه السلطة وكيفية استعمالها، كما يقرر حقوق الأفراد وواجباتهم والآخر دستور غير مكتوب نابع من منظور ثقافي وقيمي وتاريخي متفق عليه ضمنياً، يؤطر للعلاقة ما بين المواطنين وولي الأمر والأسرة المالكة وقد اختاره الناس لأنه يمتاز بالثبات والاستقرار والعلاقة المليئة بمشاعر المحبة والاحترام والاهتمام المتبادل وهو متأصل في الثقافة السعودية. ما أود أن أؤكد عليه أن أي محاولة تغيير أو إرجاف لهذا النظام الاجتماعي والثقافي سيكون على حساب الاستقرار والأمن الاجتماعي، وما يناسبنا هو الإصلاح للقوانين والأنظمة التي تحقق الاستقرار والحفاظ على الحقوق وحوكمة جميع القواعد والإجراءات وتأصيل العدالة والشفافية والمحاسبة، ولسنا بحاجة للقولبة الخارجية الجاهزة فلدينا قالبنا الخاص بنا الذي أتمنى لمن يريد أن يتعامل معنا أن يفهمه وليس أن يفهمنا ثقافته.