روبرت إرنست تشيزمان ولد في 18 أكتوبر 1878م في (وست ول كنت) جنوب شرق بريطانيا، جاء إلى الشرق بصفته عسكري زجت أحداث الحرب العالمية الأولى به إلى المنطقة، وبعد نهاية الحرب عُين في العراق سكرتيراً لأول مندوب سام لبريطانيا هناك وهو السير برسي كوكس. أهدتني مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض كتاب الرائد تشيزمان بعنوان (في شبة الجزيرة العربية المجهولة)؛ والتي تبنت ترجمته إلى اللغة العربية عام 1419ه، وقام بترجمته مشكورين الدكتورعبدالله المطوع والدكتور محمد الفريح. يميز هذا الكتاب عدة أمور: ارتباط تشيزمان ومقابلته بشخصيات مهمة في المنطقة، فقد قابل الملك عبدالعزيز وعبدالله بن جلوي أمير الأحساء والكثير من المواقف والأحاديث التي دارت في مجلس الأخير. ويمكن القول إن للأحساء في هذا الكتاب حصة الأسد فقد شمل الحديث عنها ما يقارب ستة فصول. وبالرغم من أهمية هذا الكتاب إلا أنه يؤخذ على مؤلفه ذكره لبعض المسائل الدينية بشكل غير لائق مما دفع المترجمين إلى الاعتذارعن ترجمة بعض الجمل غير المناسبة للنشر والمُسيئة للإسلام والمسلمين. ولكون الكتاب متشعب المواضيع فقد أفردنا هذا المقال للحديث عن بعض مشاهدات المؤلف في أسواق الأحساء، قال: إن أسواق الأحساء بشكل عام رخيصة الأسعار مناسبة للجميع وتحوي المُصنع محلياً والمستورد. ومن أجود الصناعات المحلية سلال الحمير التي تصنع من ليف النخيل، ويباع هناك الجزر والفجل الأحمر وكان المنظر الأكثر جمالاً وجاذبية كحد تعبيره أكوام الأترج الأصفر الكبير والتي تشتهر بزراعتها الأحساء كنوع من الحمضيات، والمستورد مثل القطن عن طريق البحرين وفارس لأن المحصول المحلي لا يُعتد به، والسجائر تباع أيضاً بالبلدة ولكن بشكل سري. شاهد بأحد الأيام دلالاً وصفه ب (الثرثار المسلي) وكان يبيع البشت (العباءة الرجالية) لأحد المحلات، ومن طريف ما ذكر بأن المشكلة تكمن إذا قام الدّلال يُدّلل على بيع هاون القهوة، وأن البعض قد يشتريها منه فقط لينقذ نفسه من الصمم. بأحد الأيام شاهد تشيزمان سوق الخميس مزدحماً أكثر من العادة معتقداً أن الناس تنتظر رؤية الملك عبدالعزيز كونه متواجدا هناك؛ لكن أحد الجنود أخبره بأن الحشد ينتظر رؤية رجل أُدين بتهمة السرقة وصدر الحكم عليه بقطع يده وعرضه في السوق ليكون رادعاً لغيره، إلا أن العملية لم تتم حيث أُكد للملك أن السارق يعاني من اختلال عقلي فتغير الحكم للنفي إلى أحد البلدان، ووصف تشيزمان هذا الحكم بأنه عادل ومرضي. حوى كتاب تشيزمان على العديد من المواقف والأخبار التي تحكي الواقعين الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة وهو ما لا يتسع له هذا المقال، والسؤال: هل سيبقى بعض جوانب الحياة الأحسائية حبيسة في كتب الرحالة والمستشرقين؟ لا أظن ذلك بوجود أبنائها الباحثين.