لو استحضرت الأندية السعودية سيرة «أليكس فيرغيسون» مدرب مانشستر يونايتد وتاريخه الطويل مع هذا النادي الإنجليزي العريق، لتريثت قليلاً في موضوع إقالة المدربين، فلم تكن بدايات فيرغسون مع اليونايتد جيدة، بل كانت في أسوأ حالاتها، وكان من الطبيعي حينها إقالته من منصبه لو تمت، إلا أن استمراره كان هو القرار المناسب، فاليوم وبعد 26 سنة مدربًا لمانشستر يونايتد أصبح يملك تاريخًا كبيرًا من الإنجازات، لا أحد يضاهيه في العالم كله، ويعتبر فيرغيسون من أفضل مدربي كرة القدم في العالم على الإطلاق، هذه السيرة الكبيرة الحافلة بالإنجازات لو تمعّن فيها رؤساء الأندية في السعودية قبل أن يُقدم أحدهم على قرار إقالة أي مدرب، لربما تريث قليلًا قبل أن يصدر القرار. كثيرٌ من المدربين المميزين الذين حضروا للمملكة أقيلوا قبل أن نلمس نتائجهم، وكان من الأفضل استمرارهم سنواتٍ طويلةً حتى ينجحوا في عملهم، ويطوروا من اللاعبين السعوديين فنيًّا، لكن مع الأسف كانت النتائج تلعب دورًا مهمًّا في استمرار أي مدرب، فالمدربون القادمون من الدول الكبيرة والمتطورة في كرة القدم يدركون جيدًا أن الملاعب العربية وخصوصًا في السعودية لا يستمر فيها المدرب فترةً طويلة، فقرار الإقالة جاهزٌ مع أول إخفاقٍ يحدث للفريق؛ لذلك تجد من ينجح في موسمه الأول مع أي فريقٍ سعوديٍّ لا يحرص على التجديد في الموسم التالي، وإن قبل يضع شروطًا جديدةً بمزايا جديدة، وهذا من حقه؛ لأنه يدرك جيدًا أن الأمان الوظيفي لأي مدربٍ في المملكة معدومٌ تمامًا، ولعل الشروط التي وضعها (كارينيو) مدرب النصر الأسبق بعد أن حقق الدوري وكأس ولي العهد مع النصر في تلك السنة خير دليلٍ على ذلك. أنديتنا تستعجل كثيرًا في إقالة المدربين وهذه ظاهرةٌ خطيرة، كلّفت الكرة السعودية ملايين الريالات، ما بين قيمة العقد كاملة وشروط جزائية، وبعضها عالقة في المحاكم الدولية حتى اللحظة، وذلك بسبب الاستعجال في إقالة المدربين، ومن وجهة نظري عمل المدرب الجيد الذي اختير -بناءً على سيرة ذاتية جيدة وحافلة بالإنجازات- يتضح أثناء التدريبات اليومية هي وحدها من تكشف مدى قدرة المدرب على السير بالفريق من عدمها، فالفلسفة التدريبية التي ينتهجها أي مدربٍ تحتاج لوقتٍ طويلٍ حتى تأتي أكلها، ويصبح الفريق يقدم نفسه بشكلٍ جيد. إن الاستعجال في النتائج عدو استمرار أي مدربٍ في الملاعب السعودية، والمدرب الوحيد الذي استمر فترةً طويلةً في الملاعب السعودية ومع نادٍ واحدٍ هو فتحي الجبال مدرب الفتح، فبعد ست سنواتٍ من الصبر حصد بطولة الدوري، وكأس السوبر، وهو يعتبر نموذجًا مصغرًا من مسيرة فيرغيسون مدرب مانشستر يونايتد. يجب أن يفهم رؤساء الأندية أن نجاح أي مدربٍ يحتاج إلى وقت، ففي كرة القدم أي فريقٍ يمرّ بمراحل عدة حتى يصل إلى مرحلة الحصاد؛ لذا يجب أن يتسلحوا بالصبر، ويؤمنوا بأهمية الاستقرار وضرورة البناء، جميعها شروطٌ أساسيةٌ وتعتبر من أهم أساسيات كرة القدم. ودمتم بخير...