التردد الفظيع والتخبط الشنيع في سياسة دولة (العم سام) أدخل المنطقة في (مردويسه)، أي ادخلها في فوضى لا أول لها ولا آخر، وعزز هذا التردد وذاك التخبط أجندتها غير الواضحة والمتغيرة بين عشية وضحاها، ابتداء من الخط الأحمر (المعروف) الذي رسمه رئيسها أوباما في سوريا ثم محاه، مرورا بجميع سياساتها الحبيسة لردود أفعال (الروس والفرس) على امتداد الشرق الاوسط، كترددها في حسم المسألة السورية وصمتها وميوعة مواقفها حيال التدخلات الايرانية (العفلنقية) في المنطقة.. نسبة الى الشخص (العفلنقي) بالعامية، والذي يعني سيئ السمعة المتلاعب والمراوغ. حقيقة الأمر اصبح كلام أمريكا لا يقدم ولا يؤخر شيئا في الاحداث الشرق اوسطية، بل يطل علينا -كل يوم- بفنون من الحيل الكلامية والثرثرة الشبيهة ب (البربسة) أي السفسطة الفارغة والجدل العقيم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، والذي زاد الطين بلة - مؤخرا - هو أن السفسطائيين الأمريكيون اعتمدوا في جدلهم حول احداث الحادي عشر من سبتمبر على المغالطات السخيفة وحاولوا البحث عن (كبش فداء) ينعش بريق انتخاباتهم دون الاستناد على حقيقة مؤيدة ببراهين وححج دامغة. نحن نعلم أن في العلاقات الدولية لا عداوات ولا صداقات دائمة.. بل هناك دوما مصالح دائمة، وقبل أن نلتفت الى مشروع قانون (جاستا) أو مشروع قانون العدالة والإرهاب - الذي يسمح لذوي ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة الدول التي تورط رعاياها في هذه الهجمات أمام المحاكم الأمريكية، والذي قال عنه زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل: (إنه حماقة هائلة) – علينا دراسة أسباب هذا (المشروع) ودوافعه، فهو لا يخرج عن الانتهازية الانتخابية التي تمارس في الولاياتالمتحدة لكسب اصوات السذج من الأمريكيين، كما علينا دراسة الدستور الأمريكي الذي يمنع تشريع مثل هذا القانون قطعيا، وكذلك علينا دراسة التقارير الدولية التي صدرت قبله من اجل الاستفادة منها، كالتقرير الذي نشرته صحيفة (برافدا) الروسية تحت عنوان: (روسيا تهدد بفضح تورط أمريكا في أحداث 11 سبتمبر2001م)، وكذلك ما ذكرته صحيفة (ديلي ستار سن دي) في 12 سبتمبر 2016م، تحت عنوان (ڤلاديمير بوتين لديه صور من الأقمار الصناعية عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قد تدين الحكومة الأمريكية)، كما يمكننا الاستفادة من كافة التقارير المماثلة التي تشكك في الروايات والحجج الأمريكية الرسمية حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأيضا علينا دراسة التقرير الذي أصدرته الحكومة البريطانية والاستفادة منه إذا ما اردنا سن قوانين مماثلة لقانون (جاستا)، وأعني تقرير(تشيلكوت) حول تورط بريطانيا في حرب العراق، والذي اشار إلى أن تخطيط بريطانيا قبل الحرب كان (غير كاف)، وربما أن هذا التقرير وغيره من التقارير يلهم ذوي المتوفين البريطانيين في حرب العراق ويساعدهم على مقاضاة الأمريكيين الذين ورطوهم في الحرب على العراق، كما قد يلهم ذوي المتوفين من الهنود الحمر في امريكا والبريطانيين والعراقيين والافغانيين والفيتناميين واليابانيين من جراء حروب امريكا المتعددة خلال العقود الماضية، وقد يلهم ذوي ضحايا (غوانتنامو) ويرفعون الشكاوى ضد التصرفات الأمريكية غير القانونية مع المعتقلين، كما يمكن الاستفادة من اقوال الجنرال (كولن باول) قبل وبعد الحرب على العراق التي أثبتت الاحداث بعدها عدم وجود (اسلحة الدمار الشامل)المزعومة، كل هذا سيقرع أجراس الإنذار أمام الأمريكان، وقد يخشى من الاكتواء بنار هذا القانون، ليتراجعوا عن مشروع (قانون الغاب) الذي أزعج الشعوب الحرة - التي لن تقبل بفرض أنظمة وقوانين عليها من الخارج - وأساء للقانون الدولي وأخل بالمبادئ الدولية المتعلقة بالحصانة السيادية، ثم إن هناك مئات الآلاف من عائلات الضحايا الأبرياء حول العالم الذين سيقاضون الامريكان فيما لو صدر (قانون) مماثل لقانون (جاستا) في كل دولة من دول العالم، وستكون مداواة الأمريكان (بالتي كانت هي الداء)، وهذا هو مربط الفرس، أو كما قال شاعرنا العربي: (دع عنك لومي فإن اللوم إغراء... وداوني بالتي كانت هي الداء).