أخيرا دخلت بيتها.. كان يومها شاقا.. هذا السرب من الموظفين يتقاعس عن مهامه اذ ما تهاونت في المتابعة والاشراف عليهم، تنزع عن وجهها ذلك التجهم الرابض لمن يحاول التبسط معها او الاقتراب من نظرة عينيها التي تغطيها سحابة داكنة من نظارة طبية تخفي حيرة تتعلق بأهدابها سنوات طوال، تنساب خيوط شعرها المعقوص تحت وخز (توكة) لم تغير لونها من فترة طويلة، تشهق تحت الماء المتساقط علي جسدها المتعب، قطرات الماء تداعب صندوق الذكريات الحمام الدافئ يريح الاعصاب.. تتذكر مقولته المعتادة.. ينثر بكفه ذرات ماء يغترفها من موج البحر علي وجهها.. تستقر في عينيها.. فتصرخ وتحاول ان تتابعه وتعبر تلك الامواج المتلاحقة لكن قصر قامتها يمنعها من المحاولة ويغطيها الزبد تختفي تحته.. يسرع اليها ينتشلها ويحملها علي ذراعيه حتي الشاطئ.. يشتعل السعال وهي تحت شلال الماء فيخرجها من الرؤى التي تدركها كلما انفردت بمرآة روحها. تمشط شعرها وتتركه طليقا.. تعد كوبا من الشاي وتضعه بين كفيها التماسا لبعض الدفء، هامسا يقول: -مضطر ان اقبل عرض العمل بالخارج لكني لا استطيع ان أعدك بشييء فظروفي لا تسمح لي الا ان أتمنى لك كل خير. تحاول ان تخرج من صدمتها ببعض التريث تسأله: -أي ظروف التي تجبرك على ان تنهي حبنا الكبير. يعود لصمته.. يتلعثم ببعض الحروف: -سؤال لم أسأله لكِ لكني وجدت له رد عندي بتعجب: -أي سؤال، لا تجعل من نفسك قاضيا وتجعل مني متهما وتحرمني حتى ان أدافع عن نفسي بعين دامعة متألما يقول: -لستِ متهمة حبيبتي بل الظروف. -لتصارحني ولنكون اقوى من الظروف يقف حزينا يحتضن كفها ويقبلها باكيا وينصرف