صام رسول الله عاشوراء قبل فرض رمضان، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان قال من شاء صام ومن شاء لا، فصيامه مأذون به، أما ما ورد عند مسلم في فضله من أنه يكفر سنة ماضية فضعيف لانقطاع سنده، رواه عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة، وعبدالله بن معبد لا يعرف له سماع عن أبي قتادة، قاله البخاري في الكبير، وأخرج ابن عدي الحديث في الكامل وقال: (وهذا الحديث هو الحديث الذي أراده البخاري أن عبد لله بن معبد لا يعرف له سماع من أبي قتادة). وهذا يعين أن البخاري يضعف إسناده بالانقطاع، وإقرار من نقل ذلك يعد موافقة له، وفي الحديث اشكالات منها: أولا: أن في ألفاظه اختلافا، فروي أنه من كلام النبي، وروي أن عمر سأل النبي، وروي أن رجلاً سأل النبي، وروي أن أبا قتادة قال: سألت النبي، وهذا خلل في ضبط الحديث. ثانيا: أن تلاميذ أبي قتادة الأنصاري المدنيون لم يرووا هذا الحديث عنه، وانما رواه عبدالله بن معبد وحرملة بن اياس وهما بصريان، ولا يعرف لهما سماع عن أبي قتادة الانصاري، فكيف تفردا به عنه وهما بصريان ولا يعرفان بالسماع عنه! ولم يروه أحد من أصحابه المدنيين، فضلا عما في رواية حرملة من اختلاف كثير؟ ومن هنا يأتي الشك في نسبة أبي قتادة وأنها وهم، ويشعر بذلك ما رواه الامام أحمد من طريق غيلان بن جرير أن شعبة سأل غيلان عن أبي قتادة فقال: الأَنصاريّ؟ فهز رأسه غيلان أن نعم، وهذا يشعر بأن غيلان كان يحدث به ولا ينسبه، فلما سأله شعبة على وجه التلقين هز رأسه نعم كمن لقن فتلقن، وتتابع على ذلك الرواة بعد. ويعضد هذا أن هذا الحديث لا يُعرف إلا عن أهل البصرة، روى الإمام أحمد قال: حدثنا عفان: حدثنا همام قال: سُئل عطاء بن أبي رباح- وأنا شاهد- عن الفضل في صيام عرفة وهو نفس هذا الحديث في عاشوراء، فقال: جاء هذا الحديث من قبلكم يا أهل العراق. حدثنيه أبو الخليل حرملة بن اياس عن أبي قتادة: أن النبي قال:... الحديث، فعطاء هنا بين أن هذا الحديث من حديث أهل العراق، كما أنه ذكر أبا قتادة لم ينسبه بأنه أنصاري. ومن هنا يتضح أن (أبا قتادة) الراوي لحديث أن صيام عاشوراء يكفر سنة ماضية ليس هو: (أبو قتادة الأنصاريّ الصحابي)، بل هو: (أبو قتادة العدويّ البصريّ)، وهو تابعي. وعلى هذا فالحديث من مسند أبي قتادة العدوي البصري التابعي، وليس من مسند أبي قتادة الأنصاري الصحابي، ونسبة أبي قتادة أنه أنصاري وهم، تتابع الرواة عليه خطأ، مع أن حرملة لم ينسب أبا قتادة في روايته. وبهذه القرائن يكون الحديث مرسلا؛ لأن أبا قتادة البصري تابعيّ، ولا حجة في المرسل ويؤيد ذلك أن سياق الحديث يشبه سياق المراسيل، والمراسيل تأتي على ما يشتهيه الناس وما يحبونه، وقد جاء في هذا الحديث كلّ أنواع صوم النوافل، وفي بعضها رتّب أجوراً عليها مبالغا فيها لدرجة النكارة. ويشهد لصحة هذا ما رواه العبّاس بن محمد عن يحيى بن معين، قال: سمعت يحيى يقول: (كلّ شيء يُروى عن ابن سيرين، وعن البصريين، عن أبي قتادة، فهو أبو قتادة العَدوي)، وهذا كلام من ابن معين يقضي على أي احتمال يخالفه؛ وفي جميع الأحول هذا الحديث لم تثبت صحته، فإن كان عن ابي قتادة العدوي البصري وهو الأشبه بالصواب فهو مرسل ولا يحتج بالمرسل، وإن تنزلنا بأنه عن أبي قتادة الأنصاري فإنه لا يعرف سماع لأبي معبد البصري عن أبي قتادة المدني الأنصاري كما قال البخاري والقرائن تشهد بذلك فيكون منقطعا ولا حجة في المنقطع ولذلك لم يخرجه البخاري في صحيحه.