كثير هو الجدل حول المرأة؛ لأنه متشعب المسالك، ويستطيع كل مجتهد أن ينظر له بمنظار يلونه باللون المنسجم مع فكره وثقافته. فهناك الكلمات المصقولة والعبارات المنمقة التي يطلقونها على موضوع المرأة، مثل: «تحرير المرأة، مساواتها بالرجل، وحقوق المرأة»، كلمات جوفاء تترك لنا ألف علامة استفهام، فما هو المقصود بتحرير المرأة في عالمنا العربي؟ الجواب عن هذا السؤال هو: يجب معرفة تشريعاتنا الإسلامية وما قننته بهذا الصدد، فهي لم تترك شاردة ولا ورادة إلا وتطرقت إليها، (الزواج، الطلاق، الإرث، الإنجاب، حقها في العمل، حقها في الملكية، صيانة شرفها وعفتها وحقوقها الشخصية بواجباتها الدينية والدنيوية، وما لها وما عليها). فمتى ما تحركنا في داخل هذا الإطار دون أي مؤثرات اجتماعية دخيلة أو تأثيرات مؤدلجة أو مدخلات مدسوسة، فقط كل ما تحتاجه حسن التطبيق للتشريعات السماوية وبهذه الأسس وتصبح المرأة بخير ونعمة تحسد عليها. فلماذا الإصرار على هذه العبارات التي أدخلت علينا جزافا دون تفكيك حروفها والتعمق في معانيها؟. ومن هذا المبدأ أنطلق في حواري بعيدا عن كل صرخة دوت في الشرق أو في الغرب بشأن المرأة، فهم لهم معاناتهم المختلفة. فيجب تصحيح السؤال: ما هو دور المرأة في مجتمعنا العربي؟ ولا يخدعك ما أثير من عجاج أهوج فسرت أغراضه لأمور مادية بحتة، فلو تعمقنا في تلك التجاويف التي يطبلون لها في الغرب ويدعون أنهم أنصار المرأة لوجدناها بعيدة كل البعد عن الواجبات المستحقة. وإن سمحت لنفسي بمناقشة أولئك فبأي تفسير يجيبون عن معنى (صرف بدل أمومة متبرعة حتى تنجب.) أبهذا يلغون نظام الأسرة، فلماذا إذا يتزوجون في الكنائس تحت طقوس دينية. أليس في هذا تناقض؟ لماذا يقررون في أنظمتهم راتب المرأة العاملة نصف راتب الرجل العامل؟ أليس في هذا ما يدحض حجتهم ببطلان ما ينادون به من مساواة بين الرجل والمرأة!. ولكنهم -بدون علم- يتفقون مع ما كتبه العقاد في كتابه «المرأة في القرآن» عندما قال «المساواة ليست بعدل إذا قضت بمساواة الناس في الحقوق على تفاوت واجباتهم وكفاياتهم وأعمالهم وإلا هي الظلم للراجح والمرجوح. فإن المرجوح يضيره ويضير غيره أن يأخذ فوق حقه وأن ينال فوق ما يقدر عليه وكل ما ينقض حق الراجح يضيره لأنه يقلل من قدرته ويضير النساء معه لأنه يحرمهن ثمرة تلك القدرة». هذا ما قاله العقاد، أما المتبجحون بإعطاء المرأة حقوقها فهم الذين يستخدمون المرأة كوسيلة عرض إغرائية لأغراضهم التجارية، فتجدها في إعلاناتهم التجارية من خلال سيجارة في يد امرأة جميلة أو سيارة تفتحها فتاة ممشوقة!. ولم تقف عند هذا الحد.. بل زينوا بها غلاف مجلاتهم مسدولة الشعر مكحولة العينين. وشركات السياحة والطيران لماذا تحرص على النساء الجميلات فقط. أليس كل ذلك كافيا لإيضاح الأهداف الدنيئة والأغراض المبطنة؟ فلو تقدم لإحدى تلك الوظائف امرأة غير مؤهلة ولكنها جميلة ورجل أكثر تأهيلا منها لوجدنا القرار في صالح المرأة الجميلة. كفاكم دجلا وذر الرماد في العيون. كل ما أردته من هذه الديباجة هو تبيان ما يجب أن يكون للمرأة من دور في معترك الحياة، فمتى ما أدركت نساؤنا ذلك كانت العدالة أشمل وأعم وبعيدة عن كل ترسبات المجتمع من عادات وتقاليد قد يكون ورثناها من استعمار ظاهر أو مبطن من تقليعات مستوردة هبت بها ريح التجديد. وهنا أركز على أن المطلوب هو التحرر من الميراث السلبي لبعض التقاليد التي لا تمت إلى الشريعة الإسلامية بصلة، بل كانت من بقايا مستعمر باغ نثر سمومه وامتزج في أذهان البعض وأصبحت قاعدة وتشريعا. وبهذا نخلص إلى القول بأن حرية المرأة في أن تكون إنسانة لها حريتها في أن تمارس حياتها بالصورة الطبيعية وتبرز مكانها في المجتمع، ولتدع جانبا كل متحذلق بأهداب المدنية، وتثق بأن أولئك مجرد قصاصة ورق في مهب الريح.