استعرض عدد من المثقفين والأدباء مسيرة الراحل عبدالكريم الجهيمان في ندوة أقامها مركز حمد الجاسر الثقافي بالرياض، بمناسبة مرور 65 عاما على صدور جريدة «أخبار الظهران» التي ترأس تحريرها. وتطرق المتحدثون إلى أن الجهيمان أعطى للمكتبة الثقافية المحلية والعربية العديد من الكتب المهمة التي تقرأ منذ زمن وحتى وقتنا الحاضر، مشيرين إلى أن روحه الوثابة مكنته من جمع موسوعتي «الأمثال» و«الأساطير» والتي عكف على جمعها حوالي 25 عاما. وشارك في الندوة التي أدارها الأديب محمد القشعمي الباحث والشاعر عدنان العوامي، والأديب والشاعر سعد البواردي والتي أقميت في سبتية حمد الجاسر بالرياض السبت الماضي. حيث بدأ القشعمي حديثه عن الجهيمان بتقديم مسيرته الحياتية بإيجاز، بين فيها علاقة الجهيمان بالصحافة ولمحة سريعة عن صحيفة «أخبار الظهران» والتي تعد أول صحيفة تصدر من المنطقة الشرقية، كما أشار إلى أن مركز حمد الجاسر الثقافي سبق أن نشر كتاباً عن الجهيمان بعد وفاته بعنوان «أصداء الرحيل». أخبار الظهران وعن جريدة «أخبار الظهران» أوضح القشعمي أن عددها الأول صدر في يوم الأحد 1 جمادى الأولى عام 1374ه، كجريدة تصدر مرتين في الشهر بأربع صفحات، وكان رئيس تحريرها عبدالله الملحوق، فيما مدير تحريرها عبدالكريم الجهيمان، وكانت تطبع آنذاك في لبنان، مبينا أن العدد الثالث الذي صدر في 13 رجب 1374ه كان رئيس تحريرها عبدالكريم الجهيمان. وقال: «بعد العدد 29 الصادر في 5 رجب عام 1375ه، والمكون من أربع صفحات توقفت لأكثر من سبعة أشهر إذ لم يصدر العدد الثلاثون إلا 19 صفر 1376ه»، لافتا إلى أن أخبار الظهران قدمت العديد من الأخبار المتنوعة والمختلفة التي كانت تهم المنطقة الشرقية في تلك الفترة وتهم القضايا العربية أيضا، ومبينا أن الجهيمان بدأ بتأليف المقررات المدرسية في الفقه والتوحيد والتهذيب منفردا ومشاركا مع عمر عبدالجبار. وأوضح القشعمي أن مسيرة الجهيمان في الأدب الشعبي متنوعة ومختلفة حيث قدم أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب بخمسة مجلدات، والأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية بعشرة مجلدات، وفي مجال أدب الأطفال قدم سلسلة قصص مصورة حملت اسم مكتبة الطفل في الجزيرة العربية، إضافة لمكتبة أشبال العرب وهي سلسلة من عشر قصص للأطفال مع الصور، وفي أدب الرحلات «ذكريات باريس»، و«دورة الشمس»، وفي مجال الشعر قدم ديوان «خفقات قلب». جيل التنوير وتطرق القشعمي للعديد من الأحاديث التي تناولها الكتاب والصحفيون والمؤرخون والمثقفون في حياة الجهيمان بقوله: «تحدث الأديب والصحفي الدكتور عبدالله مناع بأن الجهيمان شيخ بما عاش من سنين وشاب بما هو عليه من اتقاد الفكر وتوثب الروح والتطلع الدائم نحو حياة أفضل وأجمل لأبناء وطنه، إنه من بقية البقية من جيل التنوير ورواده الذي حفل في مطالع نهضته الفكرية برجال كثيرين من محمد حسن عواد إلى حمزة شحاتة ومن محمد سرور الصبان وعبدالوهاب الاتشي إلى حمد الجاسر وسعيد الجندول وسعد البواردي والفلالي والتوفيق، حيث كان قلمه على كتفه دائما». فيما بين الدكتور عبدالله الغذامي الناقد وأستاذ الأدب بجامعة الملك سعود، أن الجهيمان هو رصيد وسجل مثلما هو وثيقة للدارسين والنقاد، يكشف عن ثقافة عريقة في السرد والقص، وقال: «كم من دارس يقف اليوم على كتاب (أساطير شعبية) لينهل منه ويعتمد عليه في فهم مجتمعات بأكملها لتفسير الظاهرة الثقافية والاجتماعية لأمة بأسرها». من جهته بين الأديب والناقد عابد خزندار أن الجهيمان واحد من مؤسسي الصحافة في المملكة وبالذات في المنطقة الشرقية والقصيم والتي كانت أيامها صحافة رأي، أي لم تكن منحصرة ب(الخبر). قيمة فكرية وأكد الشاعر والأديب سعد البواردي، أن عبدالكريم الجهيمان أعطى للمكتبة الثقافية المحلية والعربية العديد من الكتب المهمة والثقافية التي نقرأها منذ زمن، مشيرا إلى أن الجهيمان قيمة فكرية وقامة ثقافية لها إطلالتها المحببة على نفس كل من عرفه من الناس وخالطه وتعايش معه. وقال البواردي: «استقبل حياته وهو في سن صغيرة كبقية أطفال الدنيا، حيث كانت الساحة والمساحة التي يتحرك فيها مليئة بضبابية المستقبل والغموض في قراءتها، في ظل صراعات الحياة بين أمر مجهول وألم محتمل، وما بين نجاح مفتعل وفشل متوقع، جميعنا كبشر نفشل وتلك هي سنة الحياة التي نعيشها، وبنفس أمل النجاح شق الجهيمان طريقه ومضى قدما نحو تحقيق إنجاز يكتب باسمه ويخلده التاريخ على مر عصوره وأزمانه». وأشار البواردي إلى أن الراحل الجهيمان لم يتوقف أو يتأفف من أية مضايقة أو عارض مر به طوال مسيرته العملية، حيث كانت عزيمته صادقة وأمله في الله كبيرا، وإصراره أكبر من أن ينكسر، أو أن يلتفت إلى الوراء قيد أنملة، مبينا أنه دخل مهنة الصحافة من بابها الواسع كرئيس لتحرير أهم صحيفة في ذلك الوقت، حيث أعطاها من جهده الكثير، مما جعل للصحيفة مكانة مهمة وتأثرا خاصة في تلك الفترة. واستعرض البواردي مراحل بدايته في مرافقة الراحل الجهيمان من مدينة شقراء مرورا بالمنطقة الشرقية وحتى وزارة المعارف حيث عملا سويا في إصدار مجلة المعرفة، مبينا أن المملكة لم تنس تاريخ الجهيمان الطويل الحافل بالعطاء عبر حياته الصحفية والثقافية وهي قصة إنسان وهب حياته للبحث والثقافة والاطلاع والقراءة والسفر. صحيفة شاملة من جانبه تطرق الباحث والشاعر عدنان العوامي إلى دور «أخبار الظهران» في تلك الفترة التأثيري حيث كانت متنفسا للشباب باحتضانها كتاباتهم ونشرها ودعمها إياهم بتعليقاتها على مراحل مختلفة متنوعة وفقا لإصدارات الجريدة، مشيرا إلى أن «أخبار الظهران» كانت تنشر العديد من المعرفة والثقافة التي يحتاجها المجتمع في تلك الفترة، كما تطرقت إلى نشر العديد من المواضع المهمة. وبين العوامي أن «أخبار الظهران» أظهرت المنطقة الشرقية في فترة كانت تمتاز عن باقي مناطق المملكة بوجود النفط، حيث يتوافد الناس إليها طلباً للعمل فكانت تشهد نشاطاً كبيرا، لافتا إلى أن «أخبار الظهران» لم تكن متخصصة في هموم ونقل ما يحتاجه الشأن المحلي فقط وإنما تطرقت للعديد من القضايا التي تهم الأمتين العربية والاسلامية ومحاربة الاستعمار وإسرائيل. حفظ القرآن الكريم وبينت الدكتورة ليلى الجهيمان أن والدها حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة وكان يقدر المرأة طوال حياته، بل ويحثها على الدراسة وحب العلم، لافتة إلى أنه كان نشيطا محبا للعلم والثقافة مجتهدا في البحث الحثيث عما هو مفيد له ولأبنائه، وكان منظما في حياته اليومية. وقالت: «والدي كان محبا للقراءة في العديد من المجالات المختلفة، مما انعكس على حياتنا اليومية وفي تعاملاته مع المقربين من أسرته وحتى الأشخاص غير المقربين، وجميع أبنائه ساروا على نهجه في الثقافة واقتناء الكتب القيمة». وأوضحت الدكتورة ليلى أن والدها لم يجبر أبناءه على الخوض في تخصصات ومجالات هو يريدها، ولكن أتاح الفرصة والحرية لأبنائه بأن يختاروا ما يريدون، وكان يطمح بأن يكون أحد أبنائه طبيبا، غير أن ذلك لم يحدث فكل من أبنائه تخصصوا في تخصصات مختلفة، مبينة أن والدهم علمهم احترام الآخر وتقبله. ونوهت إلى أنه كان شاملا لجميع أنواع المعارف المختلفة بحيث إنه كان شاعرا، وباحثا، وصحفيا، ورحالة، سافر إلى العديد من الدول حول العالم واكتسب العلم والمعرفة المختلفة والمتنوعة من خلال اختلاطه مع المجتمعات الخارجية، لم تكن أسفاره للمتعة، ولكن كانت لاكتشاف العالم والبحث في طبيعة وخصائص الدول التي يسافر إليها من أجل أن يكون ذلك بابا من أبواب المعرفة المهمة التي ينهل منها المعارف. وأشارت إلى أن كتاباته الصحفية لم تكن متعصبة، وإنما كانت تحمل هموم الأمة العربية، كما أنه لم ينتم لأي تيار سياسي ولا ديني، وإنما كان وسطيا معتدلا وطنيا حتى النخاع. رئيس التحرير بجوار معن الجاسر جانب من حضور الندوة من أعداد جريدة «أخبار الظهران»