يقول أهل الاختصاص في ميادين التربية والاجتماع والإعلام، إن الصورة دائما تحمل مفاهيم، وأفكارا وقيما وعلاقات ومعايير علاوة على المضامين الجمالية والفنية، وإن قراءة كل ذلك عبر العين، وفهمه من قبل المتلقين يمكن ان يتحول إلى كلام يعبر عنه باللسان، أو تدونه الاقلام. هذا ما جال في خاطري وبسرعة البرق وأنا أتطلع إلى الصور التي بثتها وكالات الأنباء ويظهر فيها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في رحلته الميمونة إلى الجمهورية التركية التي انتهت قبل ايام، حيث تشرف الرئيس التركي بتقديم «وسام الجمهورية» هدية لسموه، وهذا الوسام كما جرت العادة في البروتوكول التركي، هو أرفع وسام لديهم لا يقدم إلا لكبار الشخصيات الدولية ورؤساء الدول الذين يرعون بإخلاص ملموس علاقات التعاون والصداقة مع الجمهورية التركية. الصورة كانت كفيلة بنقل الحميمية في العلاقات، وخصوصيتها، وتميزها، وزاد على ذلك ان الجانبين السعودي والتركي اضفوا على هذه الاجواء زخما أكبر بالتصريحات والعبارات التي تجاوزت التقليدي في اللقاءات الرسمية. كان هناك كلمات صادقة وصافية وواضحة أكدت تطابقا تاما في العلاقات بين الجانبين، وأكدت رؤية واحدة يتقاسمها الجانبان السعودي والتركي حول المشترك والخاص الثنائي بينهما، وحول القضايا التي تهم الجانبين وتقلق المنطقة وتهدد امنها. المسارات العميقة في العلاقات شهدت في الفترة الأخيرة تميزا ملموسا، ولعلنا نتذكر زيارة السيد اردوغان الاخيرة للرياض، وزيارة خادم الحرمين الشريفين نصره الله إلى تركيا في ابريل الماضي، وهذا المسار، وأعني به لقاءات القيادات، مهم ويعطي للعمل المشترك بعدا ومحركا خاصة ويزوده بقوة دفع ذاتية تعجل ببلورة الافكار، وتنفيذ المتفق عليه، وتساعد في تقارب الرؤى. زيارة سمو ولي العهد وخروجها بهذا الطابع المميز لبنة اضافية في مسيرة العمل السعودي التركي المشترك الذي له أولوياته التي لم تغفل في هذه الزيارة ومنها مكافحة الارهاب، هذا الخطر الداهم على الاقليم وعلى العالم، وتعزيز ثمرات التعاون وتعدد مساراته، وتوثيق عرى العمل العام وبأبعاد استراتيجية بين البلدين، ثم هناك العمل المشترك السعودي التركي في الدائرة الاقليمية وحل المعضلات التي تواجه الاقليم في سوريا والعراق وليبيا وغيرها. في تركيا كانت هناك قراءة نفسية واعتبارية لهذه اللفتة السعودية الخالصة، الحليف الابرز على الساحة الاقليمية، حيث تأتي في وقت ينظر الاتراك الى بلدهم ومجمل الوضع السياسي والعسكري والامني انه في حالة نقاهة في اعقاب العملية الانقلابية الفاشلة، كان هناك تثمين واضح للمملكة وقيادتها على هذه البادرة وأزعم ان السياسة التركية ستتذكر ذلك طويلا. وزاد من ذلك الاثر تجديد الادانة السعودية للمحاولة الانقلابية، وتأكيد الوقوف مع الشرعية التركية في مواجهة الاخطار الداخلية والاقليمية. وربما هذه اشارة على التحركات التركية الاخيرة في اعقاب التهدئة التركية الروسية والتفاهم النسبي حول الوضع في سوريا وتأمين المناطق الحدودية التركية وإزالة خطر الجماعات المسلحة التي كانت تخطط لاقامة قوى معينة هناك. آفاق العمل السعودي التركي المشتركة اصبحت اكثر واعدية من أي وقت مضى، يبين ذلك وبجلاء مذكرة التعاون للتفاهم شبه المفتوحة والتي تضم جميع ومختلف المجالات، والتي اعلن ان هدفها تحقيق وتنمية العمل بين الجانبين، بجميع الوسائل المناسبة، وحسب تشريعات البلدين الداخلية. هذه العبارات تفتح الابواب على مصراعيها للعمل الثنائي الاقتصادي والتجاري والتعاوني بكل اشكاله، ولعل المرحلة الدولية والاقليمية التي تعيشها المنطقة تضمن تلك المسارات العمل السياسي والعسكري والامني. وربما هذا ما يوضح تكرار كلمة استراتيجي في معظم كلمات وتصريحات الجانبين التي رافقت الزيارة. تعزيز العلاقات السعودية التركية ربما كان احدى النقاط التي اشار اليها اكثر من محلل بالنقد في مواجهة الاطراف الاقليمية الاخرى، ولكن هذه الدرجة العالية من التفاهم تقلل من مستوى ذلك النقد، وان بقيت عوامل يجب استكمالها في تقوية هذا الجانب الاقليمي فربما تعزيز العلاقات مع اطراف اقليمية تشاطر الجانبين السعودي والتركي ذات الرؤية للمنطقة ومشكلاتها، مثل الاطراف العربية الخليجية، والطرف المصري. هنا نكون امام جبهة اصلب واقوى في مواجهة الدائرة الاقليمية المتمثلة في ايران، والدائرة الدولية المتمثلة في روسيا وامريكا إلى حد ما. الملف السوري بأهميته الدولية وبضغطه الانساني كان حاضرا في اللقاء السعودي التركي، ومن المفيد أن أي تحرك في هذا الميدان يحظى بمقبولية نسبية بعد تذويب الجليد الروسي التركي، وبعد الصلات الروسية السعودية، وهذا ربما يخفف من حدة توتر المسارات الامريكية الروسية التي ترواح مكانها منذ اشهر على خلفية عدم الاتفاق الكافي حول طبيعة المعارضة. بقيت النقطة الابرز التي يدركها السوريون قبل غيرهم المتعلقة بصدقية وجدية ونظافة الايدي التي يمكن ان تمتد لعونهم وانقاذهم لن تكون الا سعودية او تركية. خاصة مع التفكير التركي الذي كشف عن جوانب منه حول اقامة منطقة امنة للاجئين السوريين في شمال سوريا، وتتولى تركيا ادارتها برعاية سعودية وعربية. النقطة الجوهرية التي كشفت عنها المباحثات والعلاقات الودية الظاهرة بين البلدين تؤكد حقيقة السعي السعودي التركي للتنسيق والعمل الاستراتيجي على مستويات السياسة والاقتصاد والامن للاعلاء من مصالح البلدين وخدمة قضايا الأمة.