جرِب أن تدخل على رئيسك في مكتبه وتقول له: من فضلك،، سأذهب إلى الغرفة المجاورة لأخذ «قيلولة»، فأنا أعاني من التعب الشديد! بعد هذه المقولة سيكون أمامك خياران: إما أن تنتظر حتى يُؤذن لك، أو أن تصمد أمام ردة فعل رئيسك، الخيار الأول: حلم، والثاني: حقيقة لا مفر منها، وعندها هل يُمكنك أن تقنع رئيسك بأنه من الضروري السماح للموظف (المجهد) بأخذ نصف ساعة راحة (قيلولة) في داخل العمل وليس في الانصراف إلى البيت ومن ثم العودة مرة أخرى لإنجاز مهامه! أكثر من بحث وكتاب تناولوا قضية (القيلولة في العمل) وكتبوا كثيرا عن المزايا والفوائد والمكاسب التي ستعود على المؤسسات في حال تطبيق هذه الفكرة كجزء من نظام أساسي في العمل، كما وكتبوا عن المخاطر والخسائر التي ستتعرض لها الشركات في حال عدم الاهتمام براحة الموظف المجهد! في عام 1999م أسفرت الدراسات عن أن الموظفين الأصحاء غالبا ما يتغيبون عن عملهم بسبب حالات الإجهاد التي تلم بهم، أو لإصابتهم بأمراض ناتجة عن فرط الإجهاد والتعب، لأن الحرمان من النوم كثيرا ما يُضعف الجهاز المناعي للجسم، ويبعث على الإحباط، ويقلل من اليقظة والتركيز، ويثبط من الحماس، أما القيلولة فهي على النقيض من ذلك، فهي تُقوِي صحة الموظفين، وتُحسِن حالتهم النفسية والمزاجية، وتقلل من نسبة غيابهم، بل وتساعد على زيادة نسبة الإنتاجية بمتوسط 13% مما يساعد على تنشيط الذاكرة والقدرة على اتخاذ القرارات المصيرية في العمل بكفاءةٍ عاليةٍ. يعمد كثير من الموظفين والعمال وسائقي الشاحنات إلى اللجوء لتناول المنبهات والمشروبات التي تحتوي على نسبة عالية من الكافيين كالقهوة حتى يبقوا مستيقظين طوال فترة الدوام، و«مستيقظين» لا تعني أبدا أنهم «نشيطون» بالقدر الذي يخدم العمل، ويزداد الوضع سوءا إذا ما علمنا أن هؤلاء لا يدركون أن النوم يأتي في أهميته بعد الهواء والماء والطعام في حياتهم فهو من الضروريات التي يحتاجها الجسم من أجل المحافظة على أعضاء وأنظمة الجسم الحيوية، وحتى تتحقق هذه المحافظة فلا بد أن يحافظ المرء على نصيبه اليومي من النوم والذي غالبا ما ينصح به (ثماني ساعات) متواصلة في الليل، ولكن هل جميعنا يدرك خطورة التهاون في هذا الحق، فمع تزايد أعباء الحياة والتزامات المعيشة وكثرة الضغوط اليومية وغزو الحضارة المدنية فقد أخذت مراحل النوم تقل تدريجيا وصرنا نضحي بالنوم، لأنه أسهل ما يُمكن التضحية به متجاهلين أن أكبر الكوارث التي تقع في بيئة العمل إنما يكون سببها ناتجا من قلة النوم!! في عام 1989م كانت ناقلة البترول العملاقة «إيكسون فالديز» تُبحر في الساحل الجنوبي ل «آلاسكا» محملة بحوالي 35 مليون جالون من النفط الخام، كان ربان السفينة «كوسينز» لم يذق طعم النوم لمدة 18 ساعة متواصلة مما أثر على قيادة المركبة العملاقة، ونظرا لحالة الإجهاد التي تمكنت منه وزيادة حجم العمل الملقى على عاتقه وفقدانه للتركيز واليقظة فقد نتج عنه انحراف الناقلة عن مسارها الصحيح وارتطامها بصخورٍ عاتية أضرت بهيكل السفينة مما أدى إلى انسكاب خُمس الحمولة السامة للناقلة فأبادت آلاف الطيور البحرية وبلايين الأسماك وتلويث 1300 كم من خط الساحل الأصلي، وقد أسفرت التحقيقات التي قامت بها الهيئة الوطنية لسلامة النقل عن أن تمتع ربان السفينة بغفوة خفيفة كان من شأنه تجنب العالم واحدة من أكبر الكوارث البيئية، أضف إلى توفير أكثر من 2 بليون دولار تكلفة تنظيف الساحل. إن مثل هذه الحوادث تدعونا للتفكير جديا في ثقافة (قيلولة العمل) لمن هو مضطر لها لتكون إحدى الأنظمة المعتمدة في المؤسسات وفق شروط وضوابط (تنفع ولا تضر)، ولتكون جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية سواء أكنا على رأس العمل كموظفين أم كنا نعيش حالة التقاعد أم كنا من فئة ربات البيوت! التاريخ يحدثنا عن كبار العظماء من السياسيين والمخترعين والفنانين والمفكرين الذين أبوا إلا أن يقعوا فريسة للجنون الذي ينجم عن النوم لفترةٍ واحدةٍ فقط في اليوم، ومن بين هؤلاء: (ليوناردو دافنشي، وإسحاق نيوتن، ونابليون بونابرت، وألبرت أينشتاين، وجون كيندي)، أما ونستون تشرشل فقد أدان بالفضل للقيلولة في تحقيقه النصر في معركة بريطانيا حيث قال: «لسنا مجانين لكي نعمل أو حتى نلعب من الثامنة صباحا وحتى منتصف الليل». يبقى علينا أن ندرك أن (القيلولة) ستجد مكانها سريعا في حياتنا عندما يمضي سير يومنا على النحو الطبيعي وهذه حقيقة أثبتتها الدراسات. في المقال القادم - إن شاء الله - حلول وغرائب وعجائب عن قيلولة العمل، وحتى ذلك الوقت لا تقل لرئيسك: فضلا أنا ذاهب لأخذ قيلولة! فضلا،، أجِل طلبك!