تذوقتُ أنواع الشرابِ فلم يسغ بحلقي أشهى من حلالِ المكاسبِ ونمتُ على ريشِ النعامِ فلم أجِد فِراشا وثيرا مثل إِتمامِ واجبِي «القروي» خلال السنوات القليلة الماضية بدأ مارد الذكاء الاصطناعي يزحف علينا خارجا من المعامل إلى جيوبنا ومعاصمنا وغرف جلوسنا ومركباتنا، من خلال منتجات عدة ومجالات متنوعة تشمل الصحة والنقل والتعليم وغيرها. ومن الواضح أن الذكاء الاصطناعي قادم ليحمل عن كواهلنا الكثير من الأعمال الرتيبة والميكانيكية، ويدع لنا التركيز على الأعمال الإبداعية. في دراسة حديثة نشر «بنك أوف أميركا ميريل لينش» تقريرا يتضمن بيانات عن التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على التنمية في كافة المجالات الصناعية والقوى العاملة في العالم. ووفقا للتقرير، فإن التقدم في التقنية، وتعلم الآلة، سوف يكون له تكلفة كبيرة على سوق العمل، تقدر بنحو 14 تريليون دولار بحلول العام 2025م. وتتوقع مجموعة بوسطن للاستشارات أنه بحلول العام 2025م، فإن رُبع الوظائف ستقوم بها البرامج الذكية والإنسان الآلي. كما أشارت دراسة صادرة من جامعة أكسفورد إلى أن 35% من الوظائف في بريطانيا مهددة بخطر الأتمتة خلال العشرين سنة المقبلة. وفي الولاياتالمتحدة يعتقد أن الإنسان الآلي وحده سيهيمن على 5 ملايين وظيفة في العام 2020م. ويتوقع منتدى الاقتصاديين العالمي الأخير أن يقود التغيير في سوق العمل إلى فقدان أكثر من 7.1 مليون وظيفة خلال الفترة 2015م-2020م، كنتيجة مباشرة للعديد من الابتكارات الحديثة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، وأن ثلثي هذه الوظائف سيتركز في الأعمال المكتبية والإدارية. وهذا يعني تأثر الوظائف النسائية بشكل خاص. هناك توسع كبير في استخدام الإنسان الآلي في العالم. فبينما قدر عددها ب 1.2 مليون في العام 2013م، ارتفع العدد إلى نحو 1.5 مليون في العام 2014م. ومن المتوقع أن يرتفع إلى نحو 1.9 مليون في العام 2017م. اليابان لديها أكبر عدد منها، تليها أمريكا الشمالية، ثم الصين، فكوريا الجنوبية، وألمانيا. ومن المتوقع أن يرتفع حجم قطاع الذكاء الاصطناعي من 15 بليون دولار الآن إلى 67 بليون دولار في العام 2025م. وهناك أمثلة واضحة على مزاحمة الذكاء الاصطناعي للإنسان في مجال العمل. فالإنسان الآلي يحل محل المزارع في توفير الغذاء، إذ يقدر حجم السوق العالمية للإنسان الآلي في مجال الزراعة لوحده ب 16.3 تريليون دولار بحلول العام 2020م، في حين كان 817 مليون دولار فقط في العام 2013م (المصدر: ونتير غرين). وستدار الأصول مِن مبانٍ وأراضٍ ومعدات وغيرها عن طريق الذكاء الاصطناعي. ويقدر حجم الأصول التي يمكن أن تدار من قبل الإنسان الآلي ب 2.2 تريليون دولار بحلول العام 2020م، قافزا من 255 بليون دولار للعام 2018م (المصدر: ماكينزي، وKPMG). وقد تستغني العائلات بمنطقة الخليج العربي قريبا عن استقدام عاملات منزلية، إذ يقدر ما بين 90 إلى 115 بليون من الساعات التي تقضى في العمل المنزلي، بأنها سوف توفر سنويا بحلول العام 2025م، بما يعادل توفير 200-500 بليون دولار في السنة (المصدر: ماكينزي). وسيحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء أو يدعم عملهم. فقد قفز عدد العمليات الجراحية التي يقوم بها الإنسان الآلي من 1000 عملية في العام 2000م إلى 570 ألف عملية جراحية في العام 2014م (المصدر: Intuitive Surgical). وستعمل المنظمات مستقبلا بعدد قليل من العاملين بمجال المعرفة. فشركة إنستغرام التي تهدف إلى تبادل الصور على الإنترنيت قد تم شراؤها من قبل شركة فيسبوك في العام 2012م بمبلغ مليار دولار رغم أن عدد موظفيها كان لا يتجاوز 13 شخصا. وأفلست في نفس الوقت الشركة المصنعة لآلات التصوير «كوداك» التي كانت توظف 145 ألف شخص، بسبب ثورة الهواتف الذكية. والمتوقع ان ينمو نوع جديد من الاقتصاد نتيجة قضاء الذكاء الاصطناعي على الكثير من الوظائف التقليدية وغير التقليدية. ووفقا لأستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد «لورنس كاتز،» فإن الذكاء الاصطناعي بعد أن يحل محل الإنسان في القيام بالأعمال التقليدية، سوف يساهم في خلق اقتصاد مهني جديد، موجه نحو التعبير عن الذات، للقيام بأعمال فنية وقضاء وقت أطول مع الأهل والأصدقاء. وهذا سوف ينقل العالم للتوجه نحو الإبداع بدلا من الاستهلاك. المتشائمون من المتنبئين وكثير منهم من المتخصصين بالتقنية، يرون أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل البشر في جميع الوظائف. أما المتفائلون ومعظمهم من الاقتصاديين والمؤرخين، يصرون على أن التقنية تصنع دائما وظائف أكثر من تلك التي تلغيها. ولكن يبدو أن العالم في الغالب لن يواجه بطالة جماعية قريبا، ولكن سيشهد تسارعا في ارتفاع نسبة البطالة بسبب تسارع انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي. لذلك، فالحكومات بحاجة إلى وضع خطط لمواجهة أثر هذا التطور على سوق العمل. وحتى لو افترضنا أن الذكاء الاصطناعي لا يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، فإن هناك اضطرابا في سوق العمل نتيجة التطور التقني الذي تولدت عنه وظائف جديدة تتطلب مهارات غير مألوفة. لذلك، فالمنظمات والحكومات بحاجة إلى مساعدة العاملين في الحصول على مهارات جديدة من خلال مساعدتهم على تطوير وتغيير وظائفهم حسب الحاجة. وهذا يشمل وضع خطط تعليم وتدريب مرنة بما فيه الكفاية لاكتساب مهارات جديدة بسرعة وكفاءة. ولا بد أن يبذل القطاعان العام والخاص مزيدا من التركيز على منهج التعلم مدى الحياة، والتدريب على رأس العمل، والتوسع في استخدام التعلم عبر الإنترنت.