يستلهم هذا المقال عنوانه من ورشة العمل الثانية التي نظمتها الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي تحت عنوان: (ورشة العمل التحضيرية للتعافي وإعادة الإعمار ما بعد الصراع في الجمهورية اليمنية) بمدينة الرياض يوم الاثنين الماضي الموافق 29 اغسطس 2016 التي كانت بحضور معالي الامين العام لمجلس التعاون د. عبداللطيف الزياني ورئيس الوزراء اليمني د. أحمد عبيد بن دغر. كما شارك في هذه الورشة ممثلون من الجهات المختصة بدول مجلس التعاون (وزارات الخارجية والمالية وصناديق التنمية) والبنك الإسلامي للتنمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والأمم المتحدة، ونحو ثلاثين من الشركاء الدوليين بما في ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي وممثلون عن مجموعة الدول ال 18 الداعمة للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية.عقدت الورشة الاولى في مارس الماضي تحت عنوان: «الدروس المستفادة من التجارب الدولية في التعافي وبناء السلام وإعادة الاعمار» في مبنى الأمانة العام لمجلس التعاون، التي جاءت في محاولة للاستفادة من تجارب الدول التي مرت بظروف مشابهة للظروف التي تحدث باليمن حاليا، من مثل تهيئة الظروف والعمل في أوساط غير مستقرة، كيفية تشجيع حل الصراعات، كيفية السعي لأنشاء بيئة آمنة للعمل، واستقرار الاقتصاد الكلي في حالات ما بعد الصراع، كيفية بناء السلام واسلوب التواصل الاستراتيجي والتوعية في حالة التعافي بعد انتهاء النزاع وإعادة الأعمار، وغيرها من القضايا التي طرحت، التي قطعا سوف تساعد القائمين على عملية إعادة الإعمار في اليمن في انتهاج الاسلوب والآليات التنفيذية المناسبة للانتقال نحو مرحلة النمو المستدام.كل هذه الورش التي عقدت وورشة العمل المقبلة التي سوف تعقد في اكتوبر المقبل، تأتي في إطار التحضير والإعداد للمؤتمر الدولي لإعادة إعمار اليمن، الذي دعا له قادة دول المجلس في اجتماعهم الماضي في ديسمبر 2015م. ففي قمة مجلس التعاون ال (36) دعا القادة الى «الإعداد لمؤتمر دولي لإعادة إعمار اليمن، ووضع برنامج عملي لتأهيل الاقتصاد اليمني وتسهيل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي، بعد وصول الأطراف اليمنية إلى الحل السياسي المنشود» ايمانا من قادة دول المجلس بأمن واستقرار اليمن والتزامهم بالمساعدة في إعادة إعماره، وقد اكد معالي الامين العام د. عبداللطيف الزياني ذلك في افتتاح الورشة حيث قال: «إن دول المجلس تدرك أن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من امنها واستقرارها، وأنها حريصة على تأهيل الاقتصاد اليمني». ناقشت الورشة الثانية على مدى يومين عدة جلسات وزعت على مجموعة من المحاور تتعلق بمناقشة الوضع الداخلي وحل الصراع في اليمن من خلال استعراض للمرجعيات الثلاث للحل السياسي في اليمن والمتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية ذات الصِلة وفي مقدمتها القرار 2216، وكيف انها مرجعيات متفق عليها من قبل جميع اطياف ومكونات الشعب اليمني لحل الازمة اليمنية، ثم استعرضت الحكومة اليمنية الإطار العام لبرنامج الإعمار والتنمية في اليمن، ثم تحت عنوان نتائج تقرير تقييم الاضرار وتحديد الاحتياجات لليمن والخطوات المستقبلية، استعرض بشكل تفصيلي كل من البنك الدولي والأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية والاتحاد الأوروبي، نتائج التقرير الذين عكفوا على اجرائه الذي حمل عنوان: «التقييم المبدئي للأضرار والاحتياجات». وتناول حجم الخسائر الناجمة عن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والخسائر الاقتصادية التي يتعرض لها اليمن جراء الحرب الدائرة هناك منذ 26 مارس 2015. وذكر التقرير ان الاحتياجات العاجلة لإعادة إعمار ما خلفته الحرب «تصل إلى 15 مليار دولار». وذكرت ساندرلا بلومينكاب «المدير القطري للبنك الدولي في اليمن المسؤولة الدولية» إن اليمن بحاجة إلى السلام ووقف الصراع وعودة الأمن والاستقرار لبدء مرحلة إعادة الإعمار والتغلب على الصعوبات الكبيرة التي قد تواجه إعادة الاعمار. ودعت بلومينكاب «المجتمع الدولي» إلى الإسهام في إعادة إعمار اليمن وضرورة إشراك الشركات والمؤسسات الخاصة. وفي جلسة بعنوان: «استقرار الاقتصاد الكلي اليمني في مرحلة ما بعد الصراع في اليمن» استعرض كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووزير الاقتصاد اليمني ومدير البنك المركزي اليمني كيفية استقرار الاقتصاد الكلي اليمني بعد الوصول الى الحل السياسي وانتهاء الحرب، بعد دخول الاقتصاد اليمني الى مرحلة شبه الانهيار الكلي بسبب سيطرة الحوثي على البنك المركزي ونهب الاحتياط النقدي منه، وارتفاع نسبة العجز، ثم ارتفاع مديونية الحكومة ثلاثة عوامل كفيلة بتهديد الاقتصاد الكلي اليمني ودفعه الى الانهيار. استعرض بعد ذلك كل من الاممالمتحدةوالولاياتالمتحدةالامريكية ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وكذلك الهيئة العليا لإعادة الاعمار والتنمية اليمنية عن كيفية الترابط بين المجالين الإنساني والأمني والتنموي، ومركز الملك سلمان رغم قصر عمره، الا انه اصبح مركزا دوليا رائدا في إغاثة المجتمعات من الكوارث وعلى رأسها اليمن الشقيق وله اسهامات كبيرة ومتميزة في هذا المجال. ثم استعرضت منظمة حقوق المرأة والشباب ومؤسسة التمويل الدولية في هولندا والمانيا دور قطاع الاعمال والمجتمع المدني في إعادة الإعمار. ثم افردت جلسة خاصة لمناقشة دور شركاء اليمن (دول مجلس التعاون الخليجي، الولاياتالمتحدة، وزارة التنمية الدولية البريطانية، الاتحاد الاوروبي، الاممالمتحدة، البنك المركزي، في افضل السبل لتنسيق المساعدات وغيرها من المتطلبات التي سوف تسهم في إعادة الإعمار والتعافي في الجمهورية اليمنية). كما تمت مناقشة كل من البنك الدولي والاتحاد الاوروبي والبنك الاسلامي للتنمية في جلسة خاصة عن وسائل التمويل المتاحة في مرحلة بعد الصراع، ثم خصصت الجلسات الاخيرة لمناقشة الخطوات المستقبلية المطلوبة لإعادة الإعمار بعد التوصل إلى حل سياسي يعيد للبلاد أمنها واستقرارها. كانت ورشة العمل ثرية بمعلوماتها وقدمت محاور مهمة تمثل في مجملها خارطة طريق للنهوض باقتصاد اليمن وتنميته، ولعلي هنا لا ابالغ ان قلت: إن مجلس التعاون على مدى اكثر من خمس وثلاثين سنة من عمره ظل اليمن واستقراره وتنميته على رأس اهتمامات قادته، من خلال سعيهم الدؤوب لتأهيل الاقتصاد اليمني حتى يسهل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي كمرحلة اولى لدخوله في عضوية كاملة في منظومة دول المجلس، كما ذكرت سابقا ايمانا منهم بأن أمن واستقرار اليمن جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار دولهم.